بتصرف.عبدالله بن علي القرزعي
من المهم الحديث عن مفهوم الصلاحية والمسؤولية بوصفها أحد أهم وظائق التنظيم الإداري ،وهي تمثل مجموعة النشاطات التي تمارس من
قبل ( المديرين , المسؤولين , الوزراء , وغيرهم ) بهدف :
-
ضمان انجاز الاعمال
-
تحقيق الاهداف المنشودة بكفاءة عالية
الموضوع قد لا يشكل مادة جديدة لأصحاب
الاختصاص ولكنه بالتأكيد يعد أصلا مهما لممارسة العمل الإداري في المواقع المتقدمة
يعينهم على أداء الأعمال وإنجاز المهام بحكمة ودراية.
أولا ً : مفهوم الصلاحية -السلطة Authority
تعد الصلاحية ركنا أساسيا من أركان العمل
الإداري ، حيث تمكن المديرين من ممارسة مسؤولياتهم ، وتمنحهم القوة في التصرف واتخاذ
القرارات اللازمة لأداء العمل
فالصلاحية هي :
الحق في تكليف الأخرين للقيام بالأعمال وإصدار
الأوامر الإدارية الملزمة لتحقيق الأهداف المنشودة .
واستنادا إلى ذلك يمكن القول أن الصلاحية
الإدارية تمنح المديرين القوة التي بموجبها يستطيعوا القيام بإحداث تصرفات ملزمة إلا
أن هذه القوة ليست مطلقة، وإنما مقيدة بالعديد من المحددات التي تحد من تصرفات
المديرين ، منها :
. –محددات من داخل المنظمة كالسياسات
والاجراءات والتعليمات...
- محددات
خارجية كالقوانين وسياسات الدولة والأعراف والتقاليد السائدة في البيئة الخارجية....
كما أن الصلاحية لا تعني استخدام القوة أو
الشدة مع المرؤوسين وإجبارهم على انجاز الأعمال المكلفين بها إذ أن ذلك يخرج عن
المفهوم الحقيقي للصلاحية .
وعادة ماتسري الصلاحية من أعلى إلى أسفل
الهيكل التنظيمي وتنتقل عبر المستويات الإدارية والوحدات التنظيمية مكونة بذلك
تسمية الرئيس والمرؤوس.. .
ثانيا ً : مفهوم المسؤولية Responsibility
وتعني : إلتزام الأفراد للقيام بالواجبات
المحددة لهم باعتبارهم أعضاء في المنظمة ، بغض النظر عن رغبتهم الخاصة وعلى ذلك فإن
الإلتزام والطاعة هما أساس المسؤولية ولذا ليس للمسؤولية معنى إلا عند تطبيقها على
فرد .
ومن الامور الواجب معرفتها عن المسؤولية ما
ياتي :
- تظهر المسؤولية بين الرئيس
والمرؤوس حيث يكون للرئيس الحق في تكليف المرؤوسين بأداء واجبات معينة ويكون
المرؤوس بذلك مسؤولا ً على أداء تلك الواجبات أمام رئيسه .
- باختلاف نوع التكليف لأداء
الواجبات تختلف المسؤوليات الناجمة عنه ، فهناك المسؤولية المستمرة التي تنشأ
نتيجة لتكليف المرؤوس بأداء واجبات مستمرة ،وهناك المسؤولية المؤقتة التي تنتهي بانتهاء
عمل محدد يكلف المرؤوس بأدائه .
- المسؤولية لا تفوض كما هو
الحال بالنسبة للصلاحية ، وإنما يبقى الفرد مسؤولا ً عن الأداء سواء قام بتنفيذ
العمل بنفسه أم منح الغير صلاحية التنفيذ .
- يختلف حجم المسؤولية باختلاف
حجم العمل الموكل للفرد أو حجم الصلاحيات المخولة له ، فكلما أنيطت به أعمال أكبر
حجما أو منح صلاحيات أوسع كلما ازدادت مسؤوليته .
ثالثا : نظريات الصلاحية :
ورد في كتاب الأدب الإداري ثلاث نظريات
تشير كل منها إلى مفهوم مختلف لمصدر الصلاحية يمكن ايجازها بالأتي وصولا ً إلى
اعطاء رأي محدد في هذا المجال .
أ- نظرية الصلاحية الرسمية
Formal Authority Theory
يعزز رواد هذه النظرية مصدر الصلاحية التي
يتمتع بها المديرين إلى كونها :
-
مستمدة من المركز ( الموقع ) الوظيفي الذي
يشغلونه ...
-
تنتقل إليهم من خلال الهيكل التنظيمي
-
المصدر الحقيقي لها هم مصدر الملكية المعترف به
بموجب الأنظمة والقوانين السائدة في المجتمع.
وفي القطاع الخاص نجد أن صاحب الشركة له
الحق في التصرف بجميع امكاناتها المادية والبشرية ، وهو بذلك يمتلك جميع الصلاحيات
المتعلقة بالشركة ويقوم بتخويل جزء منها إلى القائمين بالعمل الإداري ....
أما في القطاع الحكومي فإن حق الملكية
لجميع المؤسسات والأجهزة الإدارية يعود إلى الدولة، وتنتقل عبر الهيكل التنظيمي إلى
المديرين من خلال مراكزهم الوظيفية التي يشغلونها.
أما في وجهة النظر الاسلامية فهي :
تؤمن بنظرية التفويض أو الاستخلاف الإلهي
للسلطة الإدارية والسياسية وغيرها ، وأن الله سبحانه هو المصدر الأساس للسلطة ,
استنادا الى قوله تعالى :
( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض
خليفة ) البقرة 30
( إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ) الاعراف
69
(هو الذي جعلكم خلائف
في الأرض ) فاطر 39
) يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم
بين الناس بالحق ) ص 26
) إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض
والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)
الاحزاب 72 ,
وتبين الأيات الكريمة أن الله سبحانه قد
شرف الإنسان بالخلافة ( الاستخلاف ) ومنحه السلطة ( الصلاحية ) على الأرض مميز إياه
عن كل عناصر الكون الأخرى.
وورد في القرآن الكريم عن تحمل الإنسان لأعباء
هذه الخلافة بوصفها أمانة ( مسؤولية ) عظيمة ينوء الكون كله بحملها وحملها الإنسان .
ب- نظرية قبول الصلاحية
Acceptance of Authority
Theory :
مصدر الصلاحية وفق أراء رواد هذه النظرية
هم المرؤوسون لأن مفهوم الصلاحية لديهم, أنها العلاقة القائمة بين الأفراد والتي
بموجبها يقبل أحدهم ( المرؤوس ) التوجيه الصادر من ( الرئيس ) والذي يؤثر في
تصرفاته .
إن قبول المرؤوسين توجيه الأوامر إليهم من
قبل شخص آخر يعتبر بمثابة إعطاء صلاحية لهذا الشخص وبالتالي فإن الصلاحية لا تعتبر
حقيقية مالم يقبلها المرؤوسين .
ويظهر الأدب الإداري أهمية نظرية قبول
الصلاحية باعتبار أن كل مدير في مركز وظيفي له وظيفتين أساسيتين هما :
الإدارة والتوجيه
Direction
ووظيفة التمثيل
Representation
ولكل من الوظيفتين يتلقى المدير صلاحية
وتأثيرا ً سواء من رؤسائه أو من مرؤوسيه ،وأن مصادر الصلاحية هامة في تحديد المركز
الفعلي للفرد أو وظيفته.
فالرئيس يعمل بكفاءة وفعالية عندما تكون الصلاحية المفوضة له من أعلى متعادلة مع
الصلاحية الممنوحة له من أسفل عن طريق قبول المرؤوسين لصلاحيته .
وبالنسبة للوظيفة التمثيلية إذا لم يشعر المرؤوسون
أن الرئيس قادر على تمثيلهم ورعاية مصالحهم فإنهم سرعان ما يعتمدون على شخص اخر لرعاية مصالحهم، لكن الرئيس الذي يفهم ويقبل
الطبيعة التمثيلية الوظيفية سيحاول أن يمثل مرؤوسيه عند رؤسائه فيرفع شكاواهم
وتظلماتهم ومطالبهم ومقترحاتهم إلى المستويات الإدارية الأعلى مع تأييدها ...إنه بذلك يضمن فاعلية إرادته على أن دوره في تمثيل مرؤوسيه مرهون
بقبول رؤسائه لهذا الدور .
ومن الجدير بالذكر أن هذه النظرية ترتبط
بمدرسة السلوك البشري
Behavior School
في الإدارة .
ج- نظرية الصلاحية الشخصية
Personal
Authority Theory
مصدر الصلاحية هنا هو المدير نفسه ,
فالمرؤوسون يتأثرون عادة بكفاءة وخبرة مديرهم ويطيعونهم وينفذون أوامرهم أو
توجيهاتهم نتيجة لتأثرهم بها , فكلما تمتع المدير بمهارات وقابليات أكثر منح
نفسه صلاحيات تجاه الأخرين واستطاع الحصول على تجارب المرؤوسين معه , وكلما قلت
هذه الصفات ضعفت صلاحيته .
بعد هذا الايجاز السريع لنظريات الصلاحية
فان السؤال الذي يطرح نفسه هنا :
ما
هو المصدر الفعلي والعملي للصلاحية وفق هذه النظريات الثلاث ؟
وللإجابة على ذلك نقول لكي يضمن المدير
تنفيذ الأوامر لابد أن :
-
يمتلك الصلاحية الرسمية
-
يعمل على رضا وقبول المرؤوسين لممارسة هذه الصلاحية
ويضمن قيامهم بتنفيذ الأوامر التي يصدرها بموجب الصلاحية الرسمية الممنوحة له.
-
يتصف بالصفات القيادية ليتمكن من تحقيق هذا
التوازن ويجعل المرؤوسين يتجاوبون معه وينفذون أوامره دون الحاجة إلى استخدام عامل
الإجبار .
رابعا ً : تخويل ( تفويض ) الصلاحية
Delegation of Authority
وهي منح الغير حق التصرف واتخاذ القرارات
في مجالات محددة لتحقيق الأهداف المنشودة .
إن عملية تخويل الصلاحية مهمة للغاية
فبدونها يصبح الرئيس الأعلى للمنظمة ( المدير , الوزير , وغيرهم ) صاحب الصلاحية
الوحيد وبالتالي فإن المنظمة ستدار بفكر واحد ويختفي بذلك الهيكل التنظيمي .
ومن هذا المنطلق نجد أن عملية تخويل
الصلاحية تعد :
-
من مستلزمات التنظيم الأساسية ، حيث أن
تجميع النشاطات في وحدة تنظيمية تتطلب بالضرورة تخويل رؤساء هذه الوحدات بعض
صلاحيات الرئيس الأعلى للمنظمة وبدونها ليس بالإمكان انجاز العمل بالشكل المطلوب.
-
كما ان المدير الجيد هو الذي يقوم بتخويل
معاونيه أكبر قدر ممكن من صلاحياته ليعفي نفسه من التفاصيل الجزئية للإدارة ويحتفظ
بصلاحيات الرئيسية ويركز في التخطيط والرقابة والضبط والتقويم .. حيث يفضل ابقاؤها لديه .
ومن الاجراءات التنظيمية الهامة التي يجب مراعاتها
عند تخويل الصلاحيات ما يأتي :
أ- يكون
تخويل الصلاحية من قبل من يتمتع بها :
لا
يحق لمن لا يمتلك الصلاحية تخويلها إلى الأخرين حيث أن فاقد الشيء لا يعطيه ، فعند
حاجة أحد المسؤولين إلى صلاحيات محددة لانجاز بعض الأعمال يجب على رئيسه المباشر أن
يحصل عليها أولا ً ليقوم بتخويلها أو جزء منها إلى المرؤوسين .
ب- لا يجوز
تخويل الصلاحيات بالكامل :
لاتخول جميع صلاحيات المدير إلى مرؤوسيه لأن ذلك
يؤدي إلى تخليه عن منصبه الإداري على مرؤوسيه .
ج- تخويل الصلاحية لا يعني التخلص منها :
لا يعني قيام الرئيس بتخويل الصلاحية إلى
الأخرين التخلص منها أو التنازل عنها إليهم بل أنه يبقى محتفظا بها عن طريق
المسؤولية (الصلاحية تخول ، والمسؤولية تبقى)
فالتخويل (التفويض):
هو السماح بالتصرف إضافة إلى تصرف صاحب
الصلاحية ( الرئيس ) بالصلاحية ، وبذلك فإن مالك الصلاحية لا يفقد صلاحيته عند
تخويلها إلى مرؤوسيه بل يحتفظ بحق التصرف بموجبها متى شاء من واقع مسؤوليته .
د-امكانية استرداد الصلاحية :
للمدير أن يخول الأخرين صلاحياته وله الحق
في استردادها بكاملها أو جزء منها وإعادة تخويلها بالشكل الذي يرغب فيه ويأتي ذلك
نتيجة لحصول بعض التغيرات في الأهداف أو الاستراتيجيات أو الهيكل التنظيمي أو في توزيع المسؤوليات....الأمر الذي
يتطلب إعادة تخويل الصلاحية بما ينسجم والمستجدات .
هـ - تخويل الصلاحية بالقدر اللازم لأداء
العمل :
يجب تخويل الصلاحية إلى الأخرين بالقدر
الذي يمكنهم من أداء الواجبات المناطة بهم، فالصلاحية الممنوحة إلى المديرين في أعلى
الهيكل التنظيمي يجب أن تكون أوسع من الصلاحيات الممنوحة للمديرين في المستويات الإدارية
الأدنى وذلك لكبر حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم .
و- تخويل الصلاحية يخلق المسؤولية المزدوجة :
إن قيام المدير بتخويل مرؤوسيه جزءا من صلاحياته
يجعل المرؤوسين مسؤولين أمامه بقدر حجم الصلاحيات المخولة لهم ، كما أن ذلك لا
يعفي المدير من مسؤولية هذه الصلاحيات المخولة لأنه هو أيضا مسؤول عن جميع الصلاحيات
بما في ذلك تلك التي خولها إلى مرؤوسيه أمام رئيسه الأعلى الذي تسلم منه الصلاحيات...
وبذلك نجد أن الصلاحية كلما خولت إلى الأخرين
تخلق مسؤولية جديدة إضافة إلى مسؤولية من خولها هذا ما يطلق عليه (المسؤولية
المزدوجة) حيث أن المسؤولية لا تفوض .
دمتم بخير