2011/02/20

الطريق إلى قلب المتربي

غازي عبد العزيز عبد الرحمن Heart for you

الحمد لله الذي جعلنا من المنتمين إلى مهنة التعليم، مهنة الأنبياء والمرسلين، الذين أرسلهم الله إلى الناس ليعلموهم ويدلوهم إلى سورة طريق الحق..


وإنه لشرف ورفعة لنا ونحن ننتمي إلى مهنة التعليم   وكيف لا... ومهنتنا تذكر في القران بل تظل قرآنا يقرأ على الناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
( اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم..)
فاعلم أخي المعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن "...الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالما أو متعلما " . فإذا كنت قد تحملت هذه الأمانة العظيمة، وهي التعليم وقيادة الناس إلى الخير، فاعلم أن ينبغي عليك أن تقوم بها خير قيام كما أمرك الله سبحانه وتعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )  مقتدياً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم …

( ويعلمكم الكتاب والحكمة )

إذن نحن بحاجة الآن إلى وقفة..!
-أنت أيها المعلم - بعد توفيق الله جل وعلا - قد اخترت هذه المهنة، فأول ما يجب عليك أن تعيه في هذه المهنة هو أنك والدٌ عملاًً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم "

-وأنت أيضاً في مهنتك مربٍّ.
-وأنت أيضا في مهنتك داعٍ إلى الله جل وعلا.

إذن :

فأنت لست موظفاً فحسب، لكنك والد، ومربٍ،  وداعٍ إلى الله.
فاعمل بإخلاص. لا من أجل أن يراك من حولك، بل لأنك تتعامل مع الله الذي يعلم السر وأخفى، ولأنك ترجو ما عنده من الثواب والأجر.


فعندما تعي أبعاد هذه المهنة، وبالصفات التي ذكرت.. عليك أن تتريث.. وتتوقع أنك ستعاني وتكابد وتصابر، حتى تصل رسالتك..
إذن قبل بدء العمل، وقبل دخول الفصل..
ما هي نقطة البداية التي يجب أن تنطلق منها بهدف إيصال الرسالة؟!
أول ما يجب أن أفكر به هو: قلب المتربي.
ترى: كيف أصل إلى قلب المتربي؟

أولاً: الحنو والعطف
إن المعلم الكفء هو ذاك الإنسان الذي يستطيع الوصول إلى قلب المتربي قبل عقله، ويستحوذ على اهتمامه، حتى يستطيع أن يوصل الرسالة، بحيث يتم التفاعل الكامل معها، ويحدث الأثر المطلوب، الذي يترجمه المتربي إلى سلوك، ويتخذه عادة، ومن ثم يدخره خبرةً، فيحصل بذلك التغيير المنشود في السلوك والتفكير والمنهج.
إذن أيها المعلم؛ لن تستطيع أن تحدث أثراً سلوكيا أو معرفياً عند المتربي ما لم تتمكن من استدرار حبه.


وإن لم تستطع ذلك فسينفر المتربي منك، ومن مادتك، بل ومن المدرسة أيضاً: ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) 
يقول محمد قطب في هذا الموضوع: ( فما لم يشعر المتربي أن مربيه يحبه، ويحب له الخير، فلن يقبل على التلقي منه، ولو أيقن أن عنده الخير كله، بل لو أيقن أنه لن يجد الخير إلا عنده. وأي خير يمكن أن يتم بغير حب؟! ).
إذن فتلقي العلم جزء يتفرع من المحبة، وإلا فكيف أعدل سلوكي وفقا لآرائك، وأنا كاره لك، وكيف أتعلم منك، وأنا أتمنى البعد عنك؟!
فنحن إذن بحاجة إلى معلم يمنح طلابه الحب ويعطف عليهم، بل ويتفجر كالنهر محبة لهم في كل موقف تعليمي.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوماً ثم قال: " يا معاذ: إني لأحبك... "  .
فمن هنا، ومن قضية الحب، ندرك أهمية الأسبوع التمهيدي الذي أقرته وزارة التربية والتعليم لطلاب الصف الأول الابتدائي بل ويليه أسبوعان أو ثلاثة ولم يدخل تلميذ الصف الأول في العملية التعليمية الحقيقية بقدر ما هو إنشاء جو من الإلفة والمحبة والمودة والتشجيع والترغيب.

 

ثانياً: الصبر والحلم ولرفق
التعليم يحتاج إلى طاقات قد لا يتحملها إلا الإنسان المزود بالإيمان بأهمية الرسالة التي يؤديها والتي تزود صاحبها بالجلد والمثابرة والصبر على تصرفات الطلاب المختلفة ويجعله يتعامل بحلم ولين وعفو ليكون ممن قال فيهم الله جل وعلا: ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) .
إن الحلم والتأني في معالجة المواقف المختلفة خصلتان يحبهما الله ورسوله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس:" إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة " .
فعليك أخي المعلم أن تبتعد عن سرعة الانفعال وشدة الغضب فـ: " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " .
بل إن الانفعال وسرعة الغضب من أسوأ الأساليب التي يُجنى منها الكراهية والبغضاء في الوقت الذي نبحث فيه عن الحب والمودة.

ومن مظاهر هذا الغضب وهذا الانفعال :
الضرب لضبط الطلاب.
زجر الطلاب بصوت مرتفع لضبطهم، وهذا دليل على انقطاع الإرسال بينك وبينهم.
كثرة التهديد فيما يعلم الطلاب أنك لن تنفذه.

ثالثاً: مراعاة ضعف بعض المتربين
بعض المتربين في سني دراستهم الأولى قد تصدر عنهم تصرفات ناتجة عن ضعفهم وعدم مقدرتهم على التحكم في هذه التصرفات، كأن يتبول هذا المتربي الصغير في الفصل، أو يسيل من أنفه مخاط، أو من فمه لعاب، أو يستفرغ (يطرش)، فهؤلاء يجب عدم التقذر منهم، أو التعالي عليهم، أو لفت انتباه زملائهم إليهم، أو إحراجهم وإنما مساعدتهم والشفقة عليهم، باتخاذ إجراءات تحول دون حدوث مثل هذه الأمور، وأقل هذه الإجراءات مخاطبة ولي الأمر، أو التنسيق مع إداريي المدارس وعامليها.
أولست أباً تهمك مصلحة هؤلاء الأبناء؟
أوليس لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؟
فتعالوا لنرى ماذا في المدرسة النبوية عن هذا الجانب:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: عثر أسامة بعتبة الباب فشج في وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أميطي عنه الأذى) فتقذرته فجعل يمص عنه الدم ويمجه عن وجهه قال: " لو كان أسامة جارية لحليته وكسوته حتى أنفقه " .
وعن عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع صبيا في حجره يحنكه فبال عليه فدعا بماء فاتبعه ) .

 

رابعا : البشاشة والمرح وعدم السخرية والاستهزاء
المرح يشيع الإلفة والمودة بين المعلم والمتربين ويزيد المحبة في قلوبهم لمعلمهم والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
" علموا وبشروا ولا تعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت... " . ويقول صلى الله عليه وسلم:  " تبسمك في وجه أخيك صدقة " . ويقول ايضاً: "... وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق " .
وتعرفوا أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلاطف الصبيان ويمزح معهم وكلكم يعرف ( يا أبا عمير ما فعل النغير ) .
وفي هذا المجال أذكر بأن يكون المرح دون إسراف وليكون الجد هو الأصل وكما يقو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( أعط الكلام من المزح ما تعطي الطعام من الملح ).
وفي المقابل: يجب ألا نسخِّر المرح والبشاشة للسخرية والاستهزاء، أو إضحاك المتربين على بعضهم البعض.
بل ابتعد أخي المعلم قدر جهدك عن التعليق على أخطاء المتربين وتصرفاتهم العفوية، وتلطف معهم وعالج أخطاءهم بكل حذر، وإّياك وجرح المشاعر، فقد يكون ذلك سداً منيعاً أمام المتربين ودراستهم لذا يجب غض النظر عن بعض هفواتهم وعدم التعليق على كل حركة تصدر عنهم، بل يجب أن ننبههم بروح الشفقة والرحمة حتى لا تُذل نفوسهم وتحطم شخصياتهم أو ندفعهم لاكتساب عادات خلقية سيئة كالعناد والكذب، وحسبنا في ذلك قدوة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابي الذي كبّر للصلاة في أول المسجد وركع، وظل يمشي حتى وصل الصف، فنبهه صلى الله عليه وسلم على خطئه بلطف: " زادك الله حرصاً ولا تعد " .
ولتتذكر أيضا أن السخرية والاستهزاء أمر منهي عنه شرعاً، لقوله تعالى: ( ولا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ) .
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:" بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم " .
وهنا أود أن أذكر هذا القول للغزالي:( لا تكثر عليه القول بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة، وركوب القبائح، ويسقط وقع الكلام في قلبه).

خامساً: العدل بين المتربين
ذكرنا منذ البداية أننا آباء لهؤلاء المتربين والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " .
والله جل وعلا يأمرنا بالعدل.
ولنذكر أن التمييز بين المتربين يحدث العداوة والبغضاء فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين المعلم من جهة أخرى.
فالمتربي الذي لم تتح له بعض الفرص يمتلئ غيظاً وامتعاضاً، ومن هذه الفرص مثلاً:
عرافة الفصل (عريف).
الجلوس في المقاعد الأولى.
المشاركة في اللعب.
المشاركة في الإجابات.
مسح السبورة.
أخذ نصيبه من الهدايا والتشجيع.
المساهمة في تزيين الفصل.
إضافة لما سبق هناك أمور كثيرة بالغة الأثر في نفسية المتربي منها:
الدعاء له.
الثناء عليه.
إبداء النصيحة.
إلقاء السلام عليه.
وأقف عند السلام فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
( أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم ) .
فحري بك أيها المعلم أن تلقي بتحية الإسلام على طلابك وتبدأ درسك بحمد الله والثناء عليه ليكن بإذن الله مباركاً ونافعاً.
لقوله صلى الله عليه وسلم:
(كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع.) .

وكنتيجة لما سبق:
وبعد أن أصبح زمام الأمور بيدك - إن شاء الله - وامتلكت قلوبهم، فهنا يجب أن تتعامل معهم بحذر ودقة متناهية، لأنك أصبحت مركز إشعاع، بل شبكة تبث في عشرين منزل على الأقل، وأصبحت محط اقتداء وتقليد أمام متربين قد يمتازون بدقة الملاحظة، وأصبحت قلوبهم متعلقة بك إن شاء الله، فعليك أن تلتزم بأمور أهمها:


1.الصدق في القول والعمل:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ*كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) .
اعلم يا أخي المعلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
" من قال لصبي: تعال، هاك ثم لم يعطه، فهي كذبة " .
وعن هذا الحديث يقول الدكتور عبد العزيز النغيمشي في كتابه علم النفس الدعوي: ( وهذا الحديث يشير إلى ما يوقعه الأسلوب التربوي الكاذب من اضطراب سلوكي لا يدرك الطفل أبعاده، وهذا الاضطراب يتمثل في التناقض الواقع بين القول والفعل مما يعوده على الكذب بشكل آلي ولو كان المتربي ذا مقصد حسن ) .
ويقول الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره
                             تصف الدواء وأنت أولى بالدواء
أبدأ بنفسك فانهها عن غيها
                             فهناك تعدل إن وعظت ويقتدى
  هلاّ لنفسك كان ذا التعليمُ
                             وتعالج المرضى وأنت سقيمُ
فإذا انتهيت عنه فأنت حكيمُ
                              بالقول منك ويُقبَلُ التعليمُ

2.وعليك أيضا كنتيجة لما سبق بالوقار وحسن المظهر:
لأن هؤلاء المتربين يقلدونك حبا بك وسينقلون ما أنت عليه إلى أهلهم فهم دقيقو الملاحظة.
وعليك -وأنت الأولى بذلك- بالنظافة والأناقة وطيب الرائحة وحسن الهندام كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله جميل يحب الجمال "  .
أو كما أشار عليه الصلاة والسلام إلى رجل ثائر الشعر واللحية وكأنه يأمره أن يصلح شعره، فلما فعل الرجل ورجعت هيئته حسنة، قال صلى الله عليه وسلم: " أليس هذا خير من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان " .
وأخيراً أرجو أن تعتمد على الله في عملك وأرجو ألا يكون في قاموسك مصطلح قد يردده البعض وهو أن زيداً من الطلاب ميئوس منه ..
لا يا أخي الفاضل؛ فبالإخلاص والجهد لن نجد طالباً ميئوساً منه إن شاء الله، فهذا أولى بالرعاية والاهتمام، وهو يجب أن نبدأ به لنعيد له وصل ما فقده من حلقات في سلسلة معارفه المبسطة  .. بل إن المعلم الناجح هو الذي يحدث في شخصية المتربي أثراً سلوكياً ومعرفياً وهذا هو مقياس نجاح المعلم وبالذات مع المتربي الضعيف.

وأختم بحمد الله تعالى
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم

المراجع:
علم النفس الدعوي/ د. عبد العزيز النغيمشي.
مجلة المعرفة/ وزارة المعارف سابقاً العدد (39 ) جمادى الآخرة 1419هـ.
مجلة التربوي / مركز الإشراف التربوي بالروضة.
رسالة إلى معلم الناس الخير / مركز الإشراف التربوي بالروضة.
رسالة المعارف / وزارة المعارف سابقاً العدد (11 ) محرم 1416هـ.
رسالة إلى معلم / محمد بن عبد العزيز اللحيدان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق