2010/06/02

تدريس المعلمات لصغار الذكور .... بين المجادلة الشخصية والحقائق العلمية

كتب . عبدالله القرزعي -


رداً على مقالة الأستاذة فاطمة العتيبي
تدريس المعلمات لصغار الذكور .... بين المجادلة الشخصية والحقائق العلمية

اطلعت على ما دونته الأستاذة الفاضلة فاطمة العتيبي في زاويتها (نهارات جديدة) في جريدة الجزيرة الغراء في عددها رقم ( 13747) بتاريخ 5/6/1431هـ وكانت فحوى مقالتها ( تأييد اتجاه قرار تدريس المرأة لصغار الذكور في بعض المدارس الأهلية ؛وأمنيتها أن يشمل بعض المدارس الحكومية لفتح باب الحرية لمن يرغب - دون فرض- ثم ردت على المناوئين لهذا التوجه بنفس لغة بعضهم الاندفاعية والمنفعلة).




لعل الجميع يذكر ما كان سائداً في كثير من مدارسنا قديماً ؛ عندما يراد إدخال الطفل للمدرسة الابتدائية يطلب منه ( لمس أذنه اليسرى بيده اليمنى من فوق الرأس ) وكان ذلك محكاً للحكم على عمر الطفل الذي لا يملك شهادة ميلاد تحدد عمره الزمني ؛ وهو يشير إلى دخول الطفل مرحلة الطفولة الوسطى 6-8سنوات.
ثبت علمياً صحة ذلك ؟
ولكم أن تجربوا ... وهو أن الطفل في الخامسة والنصف من عمره وما فوق ؛ تنمو الأطراف لديه اليدين والرجلين وتتناسب وتتكامل مع حجم وكتلة الجذع والرأس ويستطيع أن يلمس أذنه بيده من فوق رأسه دون ميلان الرأس ... بيد أن الطفل دون هذا العمر لا يتمكن من ذلك لأن حجم الرأس والجذع كبير مقارنة بطول الأطراف !!!
كما أن ما يشاع حول مشاكل المشي لدى الأطفال بأنه بسبب –أعزكم الله -(الحفاظات) غير صحيح ؛ وببساطه نجد البنت كالولد في المشي في عمر الرضاعة وبداية الطفولة المبكرة ومشيهم يكون شبيه بمشي الأقزام ؛ لنفس السبب السابق (حجم الرأس والجذع كبير مقارنة بالأطراف) !

وبعد هذا المدخل يبدو جلياً مجال تعليقي على ما كتبته أ. فاطمة وغيرها وهو (المجال العلمي للتربية وعلم النفس ) ؛ ولأن الأمر يتعلق بأمر تربوي أعتقد أن الأخذ بالرأي العلمي لأصل من أصول التربية وهو علم النفس بفروعه ذات العلاقة سيجدي نفعاً في جودة ودقة قرار المسؤول وبه يستطيع تحييد الأراء الشخصية الاجتهادية التي تستند للطرح العام المفعم بردود أفعال ضمن إطار جدلي.
عليه لن أخوض مع المناوئين ولما ناوؤوا ولن أخوض مع المؤيدين ولما أيدوا ...
فلست عالماً بالشرع أو مجتهد فيه ؛ ولست مثقفاً (أعرف كل شيء عن كل شيء) ؛ ولأتجنب كذلك الخوض في محور بات الشغل الشاغل هذا اليوم للكثير وهو (الرجل والمرأة).
من مصطلحات علم نفس النمو سنقرأ بتأني حقيقة علمية هامة ؛ إن اعتمدت ضمن معايير قرار (تدريس المرأة لطلاب الصفوف المبكرة الذكور من المرحلة الابتدائية ) فستضفي عليه الكثير والكثير من الموضوعية ...
توحد طفل مرحلة الطفولة الوسطى 6-8 سنوات مع دوره الجنسي في الحياة :
مصطلح يقصد به علماء النفس ( مرحلة يبدأ فيها الطفل الذكر والأنثى على حد سواء معرفة فروقاتهم عن بعضهم البعض ودور كل منهما في الحياة ؛ فيبدأ الذكر يقلد والده وأخوته ومعلمه والذكور من حوله في سلوكهم وأدوارهم ؛ وبالمثل تبدأ الأنثى تحاكي سلوكيات أمها وأخواتها ومعلمتها والإناث من حولها ؛ وتحدد تلك المرحلة في سن السادسة وما حولها).
ألا ترون أن الأطفال في سن 3-5 سنوات في رياض الأطفال يلعب الذكر بالعرائس وتلعب الأنثى بالكرة ولا فرق بينهما ؛ وما أن يدخل كل منهما مرحلة الطفولة الوسطى 6-8 سنوات إلا ويخصص الطفل لنفسه تلقائياً لعب تنمي دور جنسه ونوعه.
ولإغلاق باب من قد يعتقد أن هذا بسبب تربيتنا وخصوصية مجتمعنا ... أورد ما يلي :
تلك خاصية من خصائص الطفولة الوسطى لا يختص بها مجتمعنا فقط ؛ بل هي ثابتة بحثياً في دول أجنبية كأمريكا وبريطانيا والسويد وألمانيا ؛ ودول عربية متقدمة في علم النفس كمصر ؛ حيث أجريت في تلك الدول عديد الأبحاث والدراسات العلمية وأثبتت وجود خاصية ( توحد الطفل مع دوره الجنسي في السادسة تقريباً ) كواحدة من أهم سمات مرحلة الطفولة الوسطى ؛ إن لم تكن عند كثيراً من علماء وخبراء التربية وعلم النفس هي (السمة الأبرز) كما هو الحال لدى :
• عالم علم النفس د.حامد عبدالسلام زهران الذي ينتمي إليه كتاب (علم نفس النمو الطفولة والمراهقة ) والذي أكمل اليوم قرابة 35 سنة يدرس في معظم بل أغلب كليات التربية في جامعات الدول العربية وغيرها.
• وكذا ما ذكره "بيفرلي شو"، وهو أحد الخبراء التربويين في بريطانيا، في بحثه حول التعليم المختلط: حيث قال : (أنَّ البنات كن يتعلمن على نحو أفضل، ويشعرن بالسعادة بصورة أكبر في المدارس والفصول غير المختلطة؛ لذلك فإنَّه لا يليق بنا أن نضحي بمصالح هؤلاء الطالبات مقابل شعارات فارغة تطالب بالمساواة التامة بين الجنسين في التعليم دون الاهتمام بالفروقات الجنسية والاختلافات بينهما).
وأضاف في توصياته ما نصه : ( لعلَّ الهوية الجنسية بالنسبة للفرد أهمّ من جوانب شخصيته الاجتماعية والعرقية والدينية، وقد تكون حقيقة الأمر مرتبطة بتلك الجوانب من هوية الفرد ارتباطاً وثيقاً، وقد يكون التحول المنظور للهوية الجنسية خدمة لمبدأ المساواة التامة بين الجنسين غير مفيد وبغيض يمجه الذوق السليم، وترفضه الفطرة..".
• السناتور والخبير التربوي الأمريكي بيل هيوتشون الذي قام بكتابة قانون (المدارس غير المختلطة ) في عهد بوش الثاني تبريراً لهذا القرار بأنَّ :"أداء الأولاد يكون جيداً في البيئة التي يوجد فيها الأولاد وحدهم، وذلك نتيجة لعدم انشغالهم بالبنات، وبنفس القدر يكون أداء البنات جيداً، وتزداد ثقتهن بأنفسهن؛ نتيجة لعدم انشغالهن بالأولاد".
• وزير التعليم البريطاني ديفد بلانكيت طرح أهمية تعيين مزيد من المعلمين الذكور؛ ليجد فيهم الأولاد الذكور القدوة الحسنة، خاصة أنَّ نسبة المعلمات في المرحلة الابتدائية تصل إلى 83% من إجمالي المعلمين من الجنسين.

وهنا لا أنكر أن هناك دراسات كما أشارت الأستاذة فاطمة أثبتت أن (تدريس المرأة لأطفال الطفولة الوسطى أفضل) ؛ بيد أن لكل دراسة فرضياتها البحثية ومجالها حيث تعمد بعض الدراسات إلى البحث عن اقتصاديات ممارسة مهنة التعليم أو توسيع مجال عمل المرأة في التعليم لمناسبته لطبيعتها وخصائص أنوثتها وخاصة خاصية الأمومة ....
بيد أن ما يخص الاحتكام لمعيار (توحد الطفل مع دوره الجنسي) كذكر أو أنثى أؤكد ضعف إمكانية ثبوت ذلك مستنداً على خاصية فطرية لأطفال الطفولة الوسطى ثبتت علمياً وظاهرياً وسلوكياً في مجتمعنا والمجتمعات الأخرى الذي لا يوجد بها من يعارض أو يؤيد لمبررات شخصية غير علمية.
إذن .... لن أنظم للمناوئين بغير علم ؛ ولن أبارك للمؤيدين في مقارنات ومفارقات بعيدة عن محور الموضوع ؛ فهو قرار مصيري يتعلق بمحور له أبعاد عدة علمية واجتماعية ونفسية وتربوية وفطرية... أشير إلى أني مطلع على شيء منها ؛ ولا أزعم كالبعض (امتلاكي للحقيقة المطلقة) ؛ أو مخاطبة الشعور والمشاعر لحشد الآراء وتجييشها وفق رؤية شخصية ضيقة ...
ويكفي هنا أن أشير إلى أن المسألة علمياً تعود إلى ( جبلة وطبيعة فطر الله -عز وجل- الإنسان عليها في مرحلة من مراحل حياته).
وليكون الطرح دقيقاً وعلمياً إليكم ما يلي :
• منذ الولادة وحتى نهاية الطفولة المبكرة 5 سنوات .... لا تمايز يشعر به الطفل تجاه الجنس الأخر .
• مرحلة الطفولة الوسطى 6-8 سنوات ... يتوحد الطفل مع دوره ونوعه الجنسي ويبدأ التمايز ملحوظاً في السلوك.
• مرحلة الطفولة المتأخرة 9-11 سنة ... مرحلة التنافر والتباعد التام بين الجنسين.
• مرحلة المراهقة المبكرة 12-14 سنة .... مرحلة الميل والإعجاب مع اكتمال نمو الجهاز الجنسي.
• مرحلة المراهقة الوسطى 15-17 سنة .... مرحلة الانهماك العاطفي وبداية ثورة الغريزة الجنسية
• مرحلة المراهقة المتأخرة 18-22 سنة .... مرحلة دافع العاطفة والغريزة الجنسية معاً وتستمر حتى الزواج وإشباعهما معاً.
وعليه لكم أن تتأملوا ما يعتري سلوك الطفلة التي تعيش وحيدة بين أخوة ذكور ؛ أو سلوك الطفل الذي يعيش وحيداً بين أخوات إناث ؛ وتلك حقيقة علمية يأخذ بها علم النفس وبقوة في حل مشكلات الطفولة والمراهقة ....
وفي مقابل المدارس الأهلية التي جربت وحققت بعض النجاح ؛ وقفت قبل 10 سنوات تقريباً على تجربة مدرسة أهلية معتبرة في الرياض ؛ انتهجت ضم طلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي بنين لتدرسهم في القسم النسائي من المدارس والذي يضم بين جنباته معلمات يحملن الماجستير في التربية وعلم النفس ؛ وتابعت التجربة وتواصلت مع المدرسة منذ بداية العام حتى نهايته ؛ وكانت النتيجة أن ألغت المدرسة التجربة وبتقاريرها أشير إلى فشلها ؛ وكانت الفكرة قد طرحت أنذاك وعرضت على مجلس الشورى ولم يتخذ قرار حيالها.
بقي أن أشيد بقلم الأستاذة فاطمة في جوانب تتعلق بخبراتها ؛ غير أن لغة (المفارقات والمقارنات بين الرجل والمرأة) باتت مؤخراً تؤثر وبشكل واضح وصريح على حيادية طرحها وعلميته ؛ وهي التي تعتبر من أكبر مستشارات معالي نائب الوزير لتعليم البنات أ.نورة الفايز -وفقهن الله جميعاً – وقريبة من مصدر اتخاذ القرار ؛ ومسؤولة عن أكبر منبر إعلامي تربوي رسمي ألا وهو (مجلة المعرفة) التي تصدر عن وزارة التربية والتعليم ؛ ناهيك عن زاويتها في صحيفة الجزيرة الغراء وتاريخها الأدبي الحافل.
وعليه كنت أتمنى أن تنوء أستاذتنا الفاضلة بقلمها عن الطرح الشخصي الانفعالي العام البسيط في مثل تلك القرارات المصيرية لأجل الرد بالمثل على من يناوؤون وفق رؤى شخصية ؛ ما قادها للحديث عن محور هام جدا بلغة سطحية لا ترقى لقلمها وفكرها الذي اعتدناه ومن ذلك :
• تعميمها بجاهزية الرجل السعودي للتعلق بأي امرأة والتنازل عن أسرته وبيته !!! (تعميم وتصوير مؤلم وخطير) ولو قيل مثل تلك عن المرأة لاعتبرته شخصياً كارثة من الكوارث !
• حصر أراء المعارضين في مقالتها برؤية (أخجل حقيقة أن أعيد ذكرها) احتراماً للذوق العام ؛ وقد آلمتني ... وبقدر سوئها لم تكن ردة فعل الكاتبة بأحسن منها ؛ حيث نزلت وتنازلت لمستوى المهاترات والألفاظ التي تخدش الذائقة العامة للقراء.
• استطرادها في المقارنة بين الرجل والمرأة وصولا إلى من يرأس من ومن أقوى من من .... ما أبعدها عن طرح فكرة واضحة عن محور المقالة ؛ وأبحرت بعيداً برؤيتها الشخصية التي أحترم حقها في إبدائها بعيداً عن منابر الإعلام التي استؤمنت عليها ؛ وقد وقفت أمام تلك الرؤية متعجباً.
• وفي أمر أشد غرابة ذهبت الكاتبة وتقمصت دور (المحلل النفسي) الذي يفسر ما في اللاشعور وباطن عقل الرجل السعودي دون سواه من البشر تجاه المرأة ... وصولاً لحياض حق الدفاع عن المرأة والجهاد الجهاد فيه ومشروعيته باستخدام كافة الأسلحة البيضاء والسوداء على حد قولها !!!
• وختمت بقرار قطعي بدأته بالتبعيض في مقدمة مقالتها حيث تمنت تطبيق التجربة في بعض المدارس الحكومية لفتح حرية الاختيار وعدم (الفرض) !! وختمت مقالتها بتأكيدها على أن المصلحة العامة تقتضي أن يتتلمذ صغار ذكورنا على يد المرأة .... تبعيض تبعه حكم قاطع (وفرض).
ختاماً ...المرأة في وطننا بخير تنعم بما ينعم به غيرها ؛ وتساهم بأدوار عديدة في مجتمع ينمو بها ولها ولجيل تربيه يوماً بعد يوم فهي الأم الرؤوم ؛ والمربية الفاضلة ؛ والطبيبة المتمكنة ؛ وسيدة الأعمال ؛ والعالمة ؛ والعاملة والمبدعة في تخصصات شتى ....
بيد أني أشير إلى أكبر مشكلة تواجه المرأة السعودية خاصة وهي :
( من يتحدثون و يتحدثن بلسانها ؛ وعقلها ؛ وحرية تعبيرها ؛ وخياراتها؛ وشعورها ومشاعرها ؛ لمصادرة فكرها وإرادتها... من منطلقات ثقافية وقيم وأهداف شخصية ؛ أو باعتبارهم ( قنطرة عبور أفكار غيرهم )تلك هي المشكلة الأكبر تنامياً أمام طموح المرأة السعودية ومستقبلها في بناء أمة).
مقولة أعجبتني :
( المرأة نصف المجتمع ؛ وتنجب النصف الآخر ... إذن هي أمة بكيانها..)
تماماً وكأن تلك المقولة تصف (المرأة السعودية) بأصالتها ؛ وعمق قيمها ؛ ورسوخ فكرها ؛ وقيمتها في مجتمعها ؛ ومكانتها فيه وعند قادة هذا الوطن الأبي وفقهم الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق