2010/06/03

لا تقصي شعرك ... طفل روضة ينتقد معلمته


كتب. عبدالله القرزعي -

اتصلت بي ذات يوم مالكة إحدى رياض الأطفال تطلب مساعدتها في تحليل سلوك طفل حير الروضة ومن فيها ؟؟!! وما من أحد وجد حلاً ناجحاً لمشكلته الكبيرة على حد قولها ....
تثقل كاهلي مثل تلك الاستشارات لأنها باختصار تحتاج (المعلومة الدقيقة) التي تغيب في كثير من الأحيان أو تعطى من جانب واحد من يعتقد أن هناك مشكلة ما .
ولأننا في مجتمع محافظ يصعب الحصول على معلومات تفصيلية تساعد على التشخيص واقتراح الحلول ... تكمن صعوبة مثل تلك الاستشارات التي قد تكون مصيرية وتحدد مستقبل طفل وحلول أسرة وأساليب جهة تعليمية !!
كان الموقف الذي وجه الأنظار للطفل كالتالي :


حضر ذات يوم للروضة وقد صبغ يديه (بالحناء)
استغربت المعلمة فعله .. سألته قائله : ألم تعلم أن الحناء للنساء ؟؟
فرد الطفل ذو الخمس سنوات والنصف : لا الحناء ليس للنساء فقط ! كان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة يضعون الحناء على أيديهم وأرجلهم ورؤوسهم ولحاهم ؟
وأردف قائلاً : حتى أبي يضع الحناء على يديه ورأسه.
دهشت المعلمة وقالت : من الجيد أنك تعرف ذلك .. ماشاء الله عليك.
لم يعجب الطفل أن ينتهي الحوار بهذه الطريقة ! واعتبر أن دوره قد حان في النقد .
وقال لمعلمته : الجيد ألا تقصي شعرك كالأولاد ! وألا تلبسي الضيق ! وألا تضعي المناكير (طلاء الأظافر) لأنه يحجب الوضوء !!!!؟
دهشت المعلمة مرة أخرى وبإنفعال ردت : أنت قليل أدب ومسكت أذن الطفل وأخرجته لمديرة الروضة !!

حسناً جاء دور معركة حوارية أخرى ؟!
المديرة للطفل : ليه حبيبي قلت للمعلمة هذا الكلام ما تدري إنه عيب ؟!
الطفل : لا ليس عيباً .. ما قلته هو الصحيح.
المديرة : فعلاً أنت قليل أدب ؟ أذهب وقف عند السارية في الساحة .. عقاب لك على قلة الأدب.
الطفل يمتثل ويذهب ويقف عند سارية الساحة في الشمس ..
ينظر يمنة ويسره ثم يفتح سحاب بنطاله ... ويبول (أعزكم الله) في الساحة.
لا حظت فعل الطفل إحدى العاملات في الروضة وأخبرت المديرة فوراً !!
حضرت المديرة وسألت الطفل : لما فعلت هذا ؟
فقال الطفل : أنت قلت قف عند السارية ولا يوجد عندها دورة مياه ؛ وقد احتجت الذهاب لدورة المياه ولا يوجد أحد استأذن منه .
ثم أن فلانه (زميلته في الصف) قد بالت داخل الفصل ولم تفعلوا لها شيئاً ؟! وأنا فعلت خارج الصف ... وأريد أن أرى ما ستفعلون بي !!!
تشنجت المديرة ؛ اتصلت على والدته وضغطت عليها حتى أجبرتها على ايجاد حلاً أو سحب الطفل من الروضة .

تصف مالكة الروضة أن ( الطفل ذكي وموهوب ؛ ويجب رعايته وتنمية موهبته) .
تشخيص تقديري مبناه موقف وشعور بالاعجاب والدهشة تجاه قدرة الطفل على الجدل.

تواصلت مع أحد الزملاء وهو أخصائي نفسي وصممنا مقياس قدرات عبارة عن رسومات ومتاهات واستخدمنا مقياس رسم الرجل ... ومجموعة من أسئلة حل المشكلات .
ذهبنا للروضة وطلبنا خمسة من الأطفال اثنين من أفضل الطلاب واثنين من الأسوء وفق تشخيص الروضة والطفل موضع المشكلة على ألا نخبر بمن هو الطفل الذي نقصده .
عشوائياً تم استقبال الأطفال كل طفل لمدة ثمان دقائق ومنحه تقديراً لمستوى قدراته ؛ وبعد أن انهينا قياس قدرات جميع الأطفال رتبناهم حسب القدرة الأعلى.
وقد أتى ترتيب الطفل المقصود رابعاً من بين خمسة من أقرانه !!؟
طلبت ملف الطفل لجمع بيانات عنه وقد استخرجت المعلومات التالية :
• الأب أكبر من الأم بتسع سنوات.
• الأب يعمل ميكانيكياً وتأهيله معهد تقني متوسط ؛ والأم معلمة للمرحلة الثانوية وتحمل البكالوريوس.
• ترتيب أبناء الأسرة كالتالي : بنت 17 سنة ؛ بنت 14 سنة ؛ ولد 11 سنة >> الطفل المقصود خمس سنوات ونصف ؛ مولودة جديدة سنه ونصف.
من معطيات مقياس القدرات والمعلومات التي توفرت استنتجت أن :
• هناك فجوة زمنية وثقافية بين الأب والأم وتأهيلهما وما يمارسانه من عمل.
• انقطعت الأسرة عن الإنجاب بعد بنتين وولد لمدة ست سنوات ثم قدم الطفل المقصود وقد تشكلت الحالة الاجتماعية للأسرة ؛ وكانت تنتظر قدوم طفل جديد بشغف ؛ وما أن قدم المولود الجديد حتى كان موضع عناية كافة أعضاء الأسرة ما نمى لديه القدرة الحوارية والنقدية.
• مستوى قدرات الطفل عادية جداً ؛ بيد أنه تميز بالقدرة الحوارية نتيجة الاهتمام به من قبل الأسرة.
كانت أبرز التوصيات من خلال الاستشارة التي قدمتها ما يلي :
• تنمية هوايات الطفل ومنها الرسم وإشباعه فيها .
• تنمية مهاراته الحوارية بجعلها تصب في جوانب هادفة كحفظ القطع الإنشادية والتمثيل وغيرها.
• السماح للطفل بالأسئلة قبل أن يبادر هو ؛ وطلب رأيه فيما يدور حوله ؛ وتأصيل لديه مصطلح (اقترح) .
• بهدوء تهذيب القدرة النقدية لدى الطفل وقبول الحق منه ؛ وأن يطلب منه إعادة رأيه بأسلوب ألطف.
• خطورة كبت الطفل عن الكلام وإبداء رأيه ؛ والأكثر خطورة معاقبته على ما يبديه من رأي.
لماذا سردت لكم تلك القصة ؟
لعرض نموذج من أساليبنا الاجتهادية وليست العلمية في التعامل مع الأطفال ومشكلاتهم .
حيث ينقصنا التخصصات العلمية من اخصائيين اجتماعيين ونفسيين وإن وجدوا فهناك ضعف في أدوات التشخيص .
وكلما ضعفت أدوات التشخيص ضعفت قيمته وتبعاً لذلك ضعفت أساليب العلاج والتقويم.

تحياتي لكم

هناك تعليق واحد:

  1. قصة ماتعة .. من قاص مستشار..

    فعلا موقف المديرة اسلوب اجتهادي في قولها ( الطفل ذكي وموهوب ؛ ويجب رعايته وتنمية موهبته)

    ولموقف المعلمة مع الطفل عظة نوجزها بالتالي :
    (تقبل النقد ممن هم أصغر منك سنا أوأقل خبرة )

    دمتم بخير ؛

    ردحذف