2010/04/29

الطفل المهذب.. أمنية كل أم


لندن ـ في دراسة أجريت في ولاية هيوستن الأمريكية حول سبل إنشاء جيل مهذب جاء الحب في المرتبة الأولي، يليه ملازمة الأم للبيت، كما أعزت الدراسة سبب تدنى مستوى الأخلاق والمهارة الاجتماعية عند الأطفال إلى انعزال الأسر بعضها عن بعض.


وتؤكد الدكتورة وفاء طيبة أستاذة علم نفس النمو بجامعة الملك سعود ، ما خرجت به الدراسة الأمريكية وتقـول: إن فعالية الأساليب التربوية التي اعتادتها مجتمعاتنا ترجع إلى أن الأسرة كانت تعيش في محيط أوسع يضم الجد والجدة وقد يتعدى لبعض الأقارب، لكن ذلك تغير إلى نقيضه ليس فقط بانعزال الأسر بعضها عن بعض بل بانعزال أفراد الأسرة الواحدة، بسبب اتساع البيوت والتزام كل بغرفته أو جناحه الخاص، وتعدد وسائل الإعلام وتنوع قنواتها التي جذبت الاهتمام وشغلت الأذهان مما حدَّ من اختلاط الأسرة الواحدة وترابطها وتماسكها.

تقول إحدى الأمهات العاملات: الأوقات التي أقضيها مع أولادي محدودة جداً فلا أريد أن أعكر جوها بـ: افعل ولا تفعل وقل ولا تقل، أريد أن أعطيهم بعض ما فقدوه أثناء غيابي.
تقول أم أخري: لا أجد وقتاً مناسباً للجلوس مع أولادي، أقدم من عملي لأجهز لهم الغذاء، ثم يدخل كل منهم لغرفته ليدرس بينما لا أجد طاقة للحديث معهم، ثم ألتفت إلى المنزل وتوفير باقي الاحتياجات، ثم أفاجأ أن وقت العشاء قد حل ليدخل كل إلى غرفته وهذه المرة للنوم. أنا متأكدة أن أولادي لن يحصلوا على قيمي ومبادئي وأهدافي في الحياة؛ لطريقة معيشتنا.ولعل فصل الطفل عن المحيط العائلي الأوسع أفقده ممارسة ومشاهدة كثير من العادات الطيبة والمهارات الاجتماعية والأخلاق الحسنة. فالاتصال أصبح ضعيفاً بين أفراد الأسرة الواحدة.

وحتى تتجاوز الأسر العاملة هذه المشكلة يجب أن يكون هناك اجتماع أسرى يومي على الوجبة الرئيسية لا يتنازل ولا يتخلف عنها أحد الأفراد، واجتماع أسبوعي للحديث سوياً كمجموعة ، أو اجتماع لرحلة برية. كما يجب ألا نغفل أهمية الزيارات العائلية، مع تعميق أهمية تلك الزيارات لتظل سمة المجتمع المسلم الذي تبقى منه عرى القرابة والرحم قوية إلى أبعد الحدود -بل قرنت بالإيمان بالله واليوم الآخر، كما جاء في الحديث الشريف "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه".

حقيقة إن الطفل المهذب أصبح عملة نادرة يدركها الجميع، ولاسيما المدرسون في الفصول، حيث يقول أحدهم: في السنين العشرة الأخيرة بدأت ألمس تدنى مستوى أخلاق التلاميذ، معظم الأولاد الذين تحت يدي لا يفرقون بين الصواب والخطأ.. والمعقول وغير المعقول. كل ما يشغلهم اللعب.. إنهم يعانون فراغاً عاطفياً.. لا أدرى ما الحل..؟ كل الذي أعرفه أن تلامذتي يعانون يومياً ويحتاجون إلى مساعدة.

إذن فالطفل المهذب" أمنية كل أم،وهى ليست أمنية بعيدة المنال،فبإمكانك تهذيب طفلك بإتباع خطوات بسيطة على النحو التالي:

غرس الثقة في النفس

يقول الباحث الاجتماعي زين القاضي: يبدأ غرس الثقة في نفس الطفل من اليوم الأول من حياته عن طريق إشباع حاجاته بحب، فالطفل يشعر بحنان أمه وعطفها، ورسالة الحب هذه تعزز لديه ثقته بنفسه مع الأيام، وتصنع منه شخصاً سوياً إذا ما وجد توجيهاً مستمراً.

ومما يعزز ثقة الطفل بنفسه: احترام والديه له وعدم اهانته أو السخرية منه، وكذلك عدم امتهان حقوقه، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد قال سهل بن سعد: "أتى بشراب فشرب منه الرسول عليه الصلاة والسلام وكان عن يمينه غلام ـ الفضل بن العباس ـ وعن يساره أشياخ، فقال للغلام:" أتأذن لى أن أعطى هؤلاء؟" فقال الغلام: لا والله ، لا أؤثر بنصيبي منك أحداً، فتلّه (وضعه) صلى الله عليه وسلم في يده" (رواه البخاري).

كونى قدوة

اشكريه على العمل والسلوك الطيبين، سيتعلم منك الشكر. استأذنيه في استعمال حاجاته وفي الدخول عليه، حتماً سيمارس الاستئذان. ارفقي به يتعلم الرحمة. تخيري من الألفاظ أحلاها وأطيبها فلن يتفوه بكلمة سيئة. وفي هذا الصدد يقول التربويون: إذا لم يهتم الوالدان بالرقى في معاملة أبنائهم فلا يستغربوا إذا أساء أبناؤهم معاملة الآخرين.

علميه معان لا ألفاظاً

الطفل ينسى العبارات التي حفظها (يجب أن لا أكذب) لكنه لا ينسى الشعور والقناعة أنه يجب أن لا يكذب..ولا نصل إلى هذه المعاني إلا بالقدوة الحسنة، وقص القصص عن السلوك المراد تعديله أو تعزيزه، فمثلاً الطفل الفوضوي: اجمعي له مجموعة من القصص عن السلوك المطلوب، وإن لم تتوفر لديك فلن تعدمي مخيلتك في تأليف قصة عن الفوضى، إلى جانب إشراكه دائماً في ترتيب لعبه بعد الانتهاء منها ، فبدل النداء على الخادمة لتجمع ما فرق.. ناديه: هيا نرتب ألعابك، وساعديه لفترة حتى يعتاد جمع الألعاب، وبعد ذلك اتفقي معه ابتداءً أن يجمع لعبه بعد الانتهاء منها، وبالتكرار والصبر يتعدل السلوك.

طوري لديه مهارة التفكير

.."ماذا يحدث لو..".. افتحي دائماً أبواباً للحوار، فهذا يولد لديه قناعات، ويعطيه قدرة ومهارة في التفكير في الأمور قبل الإقدام عليها.

و اقتربي منه

،فالطفل ـ خصوصاً في السنوات العمرية الأولى ـ يلتصق ضميره بوالديه، فهو ينضبط بوجودهما، ويتذكر العادات الحسنة ما داموا معه. وإذا بَعُد نسي، فإذا كنت ستتركينه بعض الوقت ، أعطيه عبارات موجزة دون غضب، بل بكل حب وحنان: لا تنس.. لا تكتب على الجدران.. نحن نرسم على الورق.. وهكذا. سيتذكر غالباً هذه العبارات القصيرة، فهذه العبارات بمثابة قواعد سلوكية له.

ويجب عليك ان تحترمي حاجاته،

وهو بدوره سيتعلم احترام حاجات الآخرين، وذلك بتخصيص وقت للجلوس للحديث عن شيء يريده، أو لقراءة قصة يحبها. وقدري إنجازاته مهما صغرت، بتعليق رسوماته على الحائط أو الثلاجة، أو تخصيص جزء من جدران البيت لتعليق ما ينجزه الأولاد.

وافصلي بين الفاعل والفعل،

فالذم يكون للفعل أو السلوك الخاطئ، فإذا كذب الطفل.. قولي: الكذب حرام.. أنا لا أحب الكذب ـ بدلاً من: أنت كذاب.. لا تلصقي به الصفات السيئة حتى لو قام بها؛ حتى لا يتقمصها. وانتقى الألفاظ المشجعة، مثل: جميل أن تعمل كذا.. أحب عملك هذا.. يسعدني أن تقول كذا.

واعلمي ان الشكر يعزز السلوك الجيد والعادات الحسنة..

الشكر بالقول والثناء، وبالعمل كتقديم مفاجأة بسيطة كبطاقة تصنعينها بيدك.. مع الأيام ستفاجئ أنه بدأ يشكر من حوله بنفس الطريقة والروح الطيبة التي كنت تعامليه بها.

و حددي السلوك الخاطئ ووضحيه وأثنى عليه عندما يتجنبه:

فمثلاً إذا لم ينظف أسنانه.. بدلاً من قولك : ما هذا؟ أسنانك غير نظيفة، أعد التفريش.. قولي: أسنانك قربت تلمع، لو فرشتها مرة ثانية تصبح لامعة.. ورائحتها طيبة.. وهذا هو الأسلوب النبوي في التقويم.. قال صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل عبدالله لو كان يقوم الليل"، يقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: فما تركت قيام الليل بعدها.

أعطيه مساحة من الحرية

أولى أم تعطيه مساحة من الحرية على الأقل في اختيار ملابس البيت، أو في طريقة ترتيب ألعابه، وركزى على الأخلاقيات المهمة، وعلميه حسن الاختيار.

وعند ثنيه عن سلوك ما أعطيه بديلاً مباشراً. لا تكتفي بقول :"غلط"،

فمثلاً: عادة وضع الإصبع في الأنف عادة سيئة و مزعجة، إذا فعلها طفلك فلا تضربيه. أو تقولي: "غلط" فقط ، بل ساعديه على تنظيف أنفه بالمنديل، و اقترحي عليه أن يغسله بالماء، ثم أثنى على سلوكه الجيد، مثل: يعجبني استعمال المنديل.. جميل أن تنظف أنفك بالمنديل.. وهكذا.

واستعملي الطرافة في بعض التوجيهات :

مثلاً .. لو كان نهماً يهجم على الأكـــل .. قولي مثلاً بروح النكتة: لا يحتاج الأمر أن تهجم على الدجاجة، لقد ذبحوها. و إذا نسى إلقاء السلام عند الدخول قولي: ينقص أذني سماع كلمة حلوة، أو: أذني محتاجة لكلمتك الحلوة، و سيتذكر، أو ذكريه لكنه مع الوقت سيعتاد .

و إذا نسى قول من فضلك .

. قولي له: يدي ما تستطيع أن تعطيك ما طلبت إلا إذا قلت كلمة السر.. وهكذا.لغة الحوار من أهم طرق تصحيح السلوك: وعند إدارة حوار مع طفلك أو توجيهه.. انزلي لمستواه.. اجلسي على الأرض.. أو ضعيه بحجرك، ركزي نظرك على نظره، اضغطي على يديه، أو اربتي على كتفه، أو امسحي على رأسه، أعطيه مساحة من الحرية وستصل الرسالة في يسر وسهولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق