2013/01/10

اللامركزية في نظامنا التربوي مطلب مُلح لا مجرد خيار فقط

كتب.عبدالله القرزعيstock-photo-15937069-social-network-concept

من المعلوم أن المركزية -والتي تعني الاستحواذ على القرار من قبل أعلى مرجعية في النظام- كانت مسيطرة على معظم النظم في مختلف المجالات . وقد كانت فلسفة إدارية تشير إلى قوة القيادة وهيمنتها وسيطرتها خلال العقود الماضية.

القائد أو الإدارة المركزية إن كانت قوية وفاعلة حسن النظام وكان الأداء جيداً والناتج ممتازًا …

بيد أن المركزية باتت مؤخرًا لا تدوم طويلاً لأسباب عدة ومنها :

1. توسع رقعة النظام .

2. تبدل القائد أو قيادات الصف الثاني المسيطرة على القرار داخل النظام.

3.كثرة المتغيرات والظروف العلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ….

المركزية كانت خياراً مناسباً ردحاً من الزمن ؛ حتى ظهور ما أضعفها وبدد جهودها وقلل مردودها .. ورغم ذلك لاغنى عنها في بعض العمليات.

 

عليه ظهرت فلسفة "اللامركزية " لمعالجة ضعف الأداء وزيادة الانتاج النوعي ؛ حيث أُعتمد فيها :

1. الأخذ بالمتغيرات والظروف الحياتية والمرحلة.

2. التأهيل والتدريب لقيادات أكثر من صف من الجهاز المركزي مرورا بالقيادة الوسطى وانتهاءً بالقيادة التنفيذية …

3. تبني قيم للنظام والمنظمات والتخطيط الاستراتيجي برؤية ورسالة وأهداف وإجراءات لربط قوة النظام بأسس وضوابط عمل توحيدًا للرؤية والانتماء للنظام  وليس لشخص أو عدة أشخاص .

4.  بناء هيكل تنظيمي يضمن ربط المهام وتوزيع الصلاحيات على مستويات ووضوحها.

5. ضمان تدرج وظيفي وحوافز ليصل للقيادة الأفضل أداءً وفكراً.

6. وجود أدلة ومعايير للعمل ومؤشرات للنجاح.

7. منح الصلاحيات وتفويضها مع وجود الثقة والتمكن .

8.وجود نظام لتقويم الأداء ونوعيته داخل النظام وخارجه.

9.ارتفاع مستوى القيادة المركزية وتمكنها من ممارسة السياسات وبناء الخطط العامة والتوجهات التي تطور النظام.

10. تمكن القيادة الوسطى والتنفيذية من تبني التوجهات وتنفيذ الخطط و ممارسة الصلاحيات الممنوحة والمفوضة.

11. الأخذ بالأبعاد النفسية والاجتماعية للقادة حيث سينزع منهم صلاحيات وتمنح لمن هم أقل منهم في مستوى القيادة.

 

يتضح مما سبق أن الانتقال من المركزية إلى اللامركزية

ليس بالأمر اليسير ويحتاج إلى جملة من العمليات العلمية التي تقلل القلق من ضعف النتائج.

 

وزارة التربية والتعليم وسعيها إلى اللامركزية خيار أم قضية باتت مُلحة ؟

من المعلوم أن نظامنا التربوي كان إلى وقت قريب ( مركزي)  ويستحوذ بالقرار جملة وتفصيلاً -وحقق نجاحات عدة- ولذلك عدة مبررات أبرزها أن عدد الإدارات والمدارس كان بالإمكان السيطرة عليه رقابياً وإشرافياً.

عليه كانت الوزارة هي من تخطط وتنظم وتنسق وتشرف وتراقب وتتابع وتقوم … لمعظم العمليات داخل النظام التربوي .

 

اليوم ……. بات نظامنا التربوي يضم بين جنباته قرابة :

33،000 ألف مدرسة

و5500,000 طالب وطالبة

و500،000 معلم ومعلمة

و 45 إدارة تعليمية في مختلف المناطق والمحافظات . 

وتنفق الدولة مايعادل ربع ميزانيتها السنوية -والتي تعادل كامل موازنات بعض الدول- على النظام التربوي إيماناً منها بدورة في التنمية المستدامة.

وتلك الأرقام تشير إلى أن وطننا الغالي بفضل الله يمتلك منظومة كبيرة جداً تعادل ماهو موجود في عدة دول مجتمعة.

ولعل فيما سبق ما يشير إلى أن نظامنا التربوي بات في مواجهة ( حتمية وليست خياراً استراتيجياً فقط ) للانتقال إلى اللامركزية ؟

 

أهمية النظام التربوي بالنسبة للدولة وتوجهاتها ؟

معلوم أن الأمم بالعلم تسود

وبالعلم تبقى شامخة بهوية راسخة تفرض ولا يفرض عليها ...

إن وطننا اليوم في مواجهة عصر جديد ألا وهو (عصر اقتصاد المعرفة)

عصرٌ .... لا يمنح السيادة والهوية بمجرد امتلاك الثروات الطبيعية التي قد تنفذ !!

عصرٌ .... يعتمد اقتصاده على المعرفة والابتكار والعقول حيث الثروة البشرية التي لا تنضب ...

تلك الثروة الأكثر تأثيراً وصناعة للفارق وبناء هوية الأمة ... في كل زمان ومكان ...

ومن المعلوم أن (التعليم) هو أداة الأمم للنهوض والتقدم والإتفاق أو التعايش وبسط السيادة

فالتعليم النوعي الجيد هو الذي يقود الحياة إلى الأفضل ...

والتعليم الجيد هو الذي يطور مختلف مجالات الدولة ويبني هويتها ...

والتعليم يطور الاقتصاد الذي يقود باقي مناحي الحياة للإزدهار والتنمية المستدامة ....

عليه سارعت حكومتنا الرشيدة لتشييد وبناء صروح هامة في سعيها لمواجهة عصر اقتصاد المعرفة

فقد أنشأت المدن الاقتصادية ؛ ومدن العلوم والتقنية ؛

ووسعت إنشاء الجامعات ؛ وتبنت رعاية الموهبة والابتكار وشجعت البحث العلمي؛

وأتاحت فرص الدراسات العليا والدبلومات والدورات والإيفاد الداخلي والابتعاث الخارجي ...

 

ولمواكبة كل ذلك  يجب أن تكون مدرسة اليوم والمستقبل

(مُتَعلمة) تدير شؤونها بنفسها وتؤصل مفهوم (التعلم للحياة) وتغرس في نفوس النشء ما يجعلها تتوق إلى التعلم المستمر مدى الحياة ....

مدرسة لا تلقن فقط محتويات كتاب مدرسي بتقليدية معتادة ...

بل  تتبنى التطورات التربوية الحديثة التي تبني العقول وتجعل منها خير عون لمواجهة الدولة لتحديات عصر اقتصاد المعرفة ...

وأن يخرج التعليم من التقليدية إلى تلبية احتياج عصر لا يسود فيه إلا من لديه القدرة على بناء المعرفة بعقول تفكر وتبحث لتبدع وتبتكر ...

 

نظرة في توجهات الوزارة الحالية والمستقبلية ؟

بوادر خير وتغير فلسفة الفكر الإداري والتربوي في وزارة التربية والتعليم باتت واضحة  فهي  تنشد اليوم وبشغف الانتقال إلى اللامركزية لتبني هوية نظام تربوي يواكب ويسهم بمنتجاته تنمية الدولة المستدامة. وهناك عدة مؤشرات ودلالات تشير إلى ذلك ومنها :

1. دراسة الهيكل التنظيمي للوزارة .

2.اعتماد المؤتمرات والملتقيات العلمية لتطوير الفكر التربوي والاطلاع على المستجدات.

3.التوجه نحو الجودة.

4.توحيد إدارات التربية والتعليم .

5.العمل بجائزة التميز وتوسيع نطاقها ودعم جوائزها.

6.دراسة رتب المعلمين والمعلمات.

7. منح مديري التربية والتعليم صلاحيات.

8. منح مدير ومديرة المدرسة 52 صلاحية.

9. منح المدارس ميزانيات تشغيلية.

10.اعتماد برنامج الإدارة التربوية (نور) وكذلك فارس البرنامج الإداري وغيرها من برامج أتمتة العمليات (حوسبتها).

11.الاستمرار في إنشاء المدارس وتأهيل القديم منها وتجهيزها بالتقنيات اللازمة ووسائل الاتصال (هاتف – جوال - انترنت)..

12. دراسة التقويم الذاتي للمدرسة.

13. رفع شعار المدرسة نواة التطوير  بحزمة من المشاريع.

14. دراسة حوافز مديري ومديرات المدارس.

15. اعتماد المؤشر التربوي في تقويم أداء النظام .

16. التوجه إلى الشراكة مع الهيئات والجهات والتخلص من بعض المهام ونقلها لوزارات أخرى كالصحة والنقل وقياس …. للتركيز على العمل التربوي

17. اعتماد التشكيلات المدرسية والإشرافية والبدء في تطبيقها ..

وغير ذلك بفضل الله …

بيد أن كل ماسبق وحده لا يكفي لتحقيق مضامين الانتقال إلى اللامركزية في النظام التربوي والتي يجب أن تُسبق بجملة عمليات عل أهمها التدريب والتأهيل والتنظيم وإصدار الأدلة والمعايير وأجرأة العمليات وأتمتتها وتوفير الدعم اللازم والتقويم الداخلي والخارجي لكل عمليات النظام وصولاً إلى التمتين والتمكين.

 

ملحوظة هامة جداً :

إن الأنظمة التربوية التي سارعت وتسارعت خطواتها للانتقال من نظام مركزي إلى نظام لامركزي دون روية ودراسة فقدت جزء من هويتها التي عرفت بها ؟؟!!

بسبب حدوث فجوة فكر وثقافة وممارسة .  فلاهي أبقت مركزيتها ولا حققت فلسفة اللامركزية المنشودة وتطوير نظامها التربوي . وخير مثال لذلك فقد أمريكا للزعامة المطلقة اقتصاديا وبعض المجالات المختلفة ، حيث طبقت اللامركزية بأسلوب أضعف نظامها التربوي وأظهر منافسين ونماذج أقوى منه وسبقته كالصين وفرنسا واليابان ….

 

الخلاصة :

مع تقديري لجهود الوزارة وخطواتها ومشاريعها الممتازة والتسارع المعقول نحو الانتقال إلى اللامركزية إلا أنني أجد أنه من المهم العمل على :

1. أهمية طرح مشاريع اللامركزية مكتملة الجوانب بعد دراسة ثم تجريب وتوفير التدريب والتأهيل والدعم وصولا للتمكين.

2. لن ينقلنا إلى اللامركزية تبديل مواقع قيادات الوزارة ولا بقاء مديري التربية والتعليم وقيادات إداراة التربية والتعليم والمدارس سنوات طويلة فالقيادة لم تعد إرثا بقدر ماهي فكراً متجدداً

عليه يجب إما تدريبها وتأهيلها نوعياً أو تحديثها … فبعض من مارس المركزية سنوات طويلة لن يدعم فلسفة اللامركزية التي ستنزع بعض الصلاحيات المؤثرة التي كانت ضمن مسؤوليته.

3. أجزم بأن مشروع المدرسة نواة التطوير هو الأبرز والأميز .. بيد أن بعض منتجاته رغم روعتها وتأثيرها الإيجابي كصلاحيات مديري ومديرات المدارس ومنح المدارس ميزانيات تشغيلية كانت ومازالت تحتاج مزيداً من الدراسة والتجريب.. وأثرها الأن ميدانياً أراه إيجابياً بيد أنه أقل من المأمول والطموح.

4. المال داعم ووسيلة هامة … تكمن خطورته في منحه دون محاسبية أو عدم منح الثقة أو في منحه تارة وحجبه تاره مايسبب تعثر الخطط والمشاريع وتداخل المهام … عليه من المهم مراجعة سياسة إدارة المال في الوزارة وكيف يكون داعماً لا مربكاً في رحلة اللامركزية ذلك الحلم الجميل.

 

ختاماً …..

مالم نتمكن خلال عشر سنوات من الأن في بناء هوية (المدرسة المُتعلمة) الركن الأول لبناء مستقبل الوطن . فستسبقنا دول عدة إلى النمو وبناء الهوية والدخول في عصر اقتصاد المعرفة والسيادة.

 

اللهم بحولك وقوتك إن هذا الوطن وطن الإسلام والسلام يسعى للخير وفي الخير للبشرية جمعاء ..

اللهم ثبت من مكنته وتعلم فيه صلاح وأشدد أزره بمن يخافك ويتقيك ويؤمن بأن حكمة الخلق عبادتك على بصيرة وعمارة أرضك بالخير والفلاح .

دمتم بود    

هناك تعليقان (2):