حســــن عبدالحميد الدراوي – جسور تربوية
كنا ثلةٌ نتســـــامر نســــتمع إلى فنون الأدب من شـــــعرٍ وقصة قصيرة وقصيرة جداً ولما حمى الوطيس لجلســــتنا واحتدم الحوار وانزلق نحو الاختلاف غضـــبتُ من أحبتي ونبهت إلى أننا ســــننزلق لهاوية الاختلاف وعليه آثرت أن أكتب عن أدب الاختلاف وأهميته . فالشعر هو ديوان العرب ،هو المعبر عن هموم القبيلة يوم كان شاعرها لسانها قبل أن يكون ناطقا باسمها، كما اختلف الشعراء وتهاجوا بأروع القصائد ولعل في قصائد-معارك جرير مع الفرزدق وجرير مع الأخطل خير شاهد. كما شهد القرن الماضي منذ بدايته معارك أدبية شعراً ونثراً بين جماعة الديوان المبتدعين عباس محمود العقاد(وابراهيم صادق المازني وعبد الرحمن شكري) والتقليديين بإمارة أحمد شوقي ومن ثم العقاد والمازني، وطه حسين و مصطفى صادق الرافعي ، فالعقاد و محمد مندور. وكل هاتيك المعارك تدور في مضمون القصيدة وشكلها ومهام الأدب ومفاهيم النقد الأدبي ومدارسه والصراع بين القديم والجديد. أما الدكتور لويس عوض فقد خاض معارك ساخنة على كل الجبهات في الشعر والمسرح والتاريخ والسياسة واللغة {لويس عوض ومعاركه } لنسيم جلي.
ويبدو واضحاً أن العصر الذهبي للاختلافات الادبية والفكرية ومجالس الادب قد ولى ليحل عصر الصراعات السياسية ،وكذا الحال للصفحات الادبية للصحف اليومية والملاحق الادبية الاسبوعية ولهذا تجد اختفاء انماط أدبية كالقصة القصيرة والخواطر وتقلص القصائد كماً ونوعا. ليحل عصر الصحافة الالكترونية بحروفها الضوئية، الذي يفيض فيه اللغو وينزر فيه المفيد، ولا أدل على ذلك من هذه المقالات السياسية الهابطة المحتوى الركيكة المبنى المليئة بالسباب والشتائم لا لشيء إلا بسبب الاختلاف بالرأي دون رادع مبدأي أو أخلاق فكان الاختلاف وما زال وسيبقى صفة ملازمة لبني البشر، بل أن تاريخ الانسانية هو تاريخ الاختلاف. وأخطر ما فيه أن يتحول الى خلاف عنيف أو الى حرب أولها الكلام . لكن كلما ارتقى الانسان في سلم التمدن لجأ إلى مقارعة الحجة بالحجة، وبذلك ولأجل ذلك شُرّعت القوانين السماوية والأرضية وتنوعت المدارس والمدارك وذلك بتعمق الخبرة الإنسانية فنشأت الفلسفة والمنطق ومن ثم العلوم المختلفة وصولا الى ما نحن عليه الآن والاختلاف نوعان :ـ
- اختلاف تنوع: وهو اتفاق على الجوهر واختلاف في الجزئيات، كأن نتفق على أن الجمال قيمة مطلقة ورائعة، ولكنّا نختلف في طرق التعبير عنه ووصفه. وكأن نحب الورود، ولكنّا نختلف في تفضيلنا لألوانها. واختلاف التنوّع هذا يكون مقبولاً، بل مطلوب كي تسير الحياة بالتنوّع في الرأي بسلاسة ويسر، كما أن هذا التنوّع يمتاز بأن لا تتمخض عنه أزمات في الفكر أو العيش المشترك.
- اختلاف التضاد: وهو بأصنافه الثلاثة: المذموم، الممدوح، والمستساغ اختلاف في الجوهر وفي التفصيلات أيضاً، وهو يعني رأياً ضد رأي.
ولأن الأصل في اختلاف التضاد أنه يكشف عن آراء متباينة تجاه قضية معينة ، نتيجة لغياب النظرة المشتركة من قبل المتحاورين، فإنه يكون أشد مراساً في التناول وأفسح مجالاً للحوار. إن منشأ الاختلاف بين البشر في الأفكار والتوجهات
والمواقف يعود لأحد منشأين: منشأ علمي ويمارسه العلماء والمفكرون وهو محمود اذا استهدف الاثراء العلمي والوصول الى اجتهاد معين، و منشأ ذاتي وهنا يتركز الاختلاف على اهمية تحقيق المصالح الشخصية حيث تتضارب هذه المصلحة مع الطرف الآخر فيرفض الاختلاف لمجرد الخلاف سواء كان فكراً شخصياً او مصلحة عامة، وهذا الاختلاف اليوم
اكثر استشراءً وانتشاراً عبر حداثة الوسائط الاعلامية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق