2011/07/22

فكر قبل أن تعمل

علي بن أحمد المحيسنistockphoto_7651615-question-mark

روي أن أحدَ الولاةِ كان يتجول ذات يوم في السوق القديم متنكراً في زي تاجر ، وأثناء تجواله وقع بصره على دكانٍ قديمٍ

ليس فيه شيء مما يغري بالشراء ، وكانت شبه خالية ،

وكان يجلس فيها رجل طاعن في السن ، يجلس بارتخاء على مقعد قديم متهالك ،

ولم يلفت نظر الوالي سوى بعض اللوحات التي تراكم عليها الغبار ،

اقترب الوالي من الرجل المسن وحياه ،

ورد الرجل التحية بأحسن منها ،

وكان يسيطر عليه هدوء غريب ، وثقة بالنفس عجيبة ..

وسأل الوالي الرجل :

دخلت السوق لاشتري فماذا عندك مما يباع !؟

أجاب الرجل بهدوء وثقة :

أهلا وسهلا .. عندنا أحسن وأثمن بضائع السوق !!

قال ذلك دون أن تبدر منه أية إشارة للمزح أو السخرية ..

فما كان من الوالي إلا ابتسم ثم قال :

هل أنت جاد فيما تقول !؟

أجاب الرجل :

نعم كل الجد ، فبضائعي لا تقدر بثمن ،

أما بضائع السوق فإن لها ثمن محدد لا تتعداه !!

دهش الوالي وهو يسمع ذلك ويرى هذه الثقة ..

وصمت برهة وأخذ يقلب بصره في الدكان ، ثم قال :

ولكني لا أرى في دكانك شيئا للبيع !!

قال الرجل :

أنا أبيع الحكمة .. وقد بعت منها الكثير ،

وانتفع بها الذين اشتروها ....!

ولم يبق معي سوى لوحتين ..!

قال الوالي : وهل تكسب من هذه التجارة !!

قال الرجل وقد ارتسمت على وجهه طيف ابتسامة :

نعم يا سيدي .. فأنا أربح كثيراً ،

فلوحاتي غالية الثمن جداً ..!

تقدم الوالي إلى إحدى اللوحتين ومسح عنها الغبار ،

فإذا مكتوباً فيها :

( فكر قبل أن تعمل )

تأمل الوالي العبارة طويلا .. ثم التفت إلى الرجل وقال :

بكم تبيع هذه اللوحة ..!؟

قال الرجل بهدوء : عشرة آلاف دينار فقط !!

ضحك الوالي طويلا حتى اغرورقت عيناه ،

وبقي الشيخ ساكنا كأنه لم يقل شيئاً ،

وظل ينظر إلى اللوحة باعتزاز ..

قال الوالي : عشرة آلاف دينار ..!!

هل أنت جاد ؟

قال الشيخ : ولا نقاش في الثمن !!

لم يجد الوالي في إصرار العجوز

إلا ما يدعو للضحك والعجب ..

وخمن في نفسه أن هذا العجوز مختل في عقله ،

فظل يسايره وأخذ يساومه على الثمن ،

فأوحى إليه أنه سيدفع في هذه اللوحة ألف دينار ..

والرجل يرفض ،

فزاد ألفا ثم ثالثة ورابعة

حتى وصل إلى التسعة آلاف دينار ..

والعجوز ما زال مصرا على كلمته التي قالها ،

ضحك الوالي وقرر الانصراف ،

وهو يتوقع أن العجوز سيناديه إذا انصرف ،

ولكنه لاحظ أن العجوز لم يكترث لانصرافه ،

وعاد إلى كرسيه المتهالك فجلس عليه بهدوء ..

وفيما كان الوالي يتجول في السوق فكر ..!!

لقد كان ينوي أن يفعل شيئاً تأباه المروءة ،

فتذكر تلك الحكمة ( فكر قبل أن تعمل !! )

فتراجع عما كان ينوي القيام به !!

ووجد انشراحا لذلك ..!!

وأخذ يفكر وأدرك أنه انتفع بتلك الحكمة ،

ثم فكر فعلم أن هناك أشياء كثيرة ،

قد تفسد عليه حياته لو أنه قام بها دون أن يفكر ..!!

ومن هنا وجد نفسه يهرول

باحثاً عن دكان العجوز في لهفة ،

ولما وقف عليه قال :

لقد قررت أن أشتري هذه اللوحة بالثمن الذي تحدده ..!!

لم يبتسم العجوز ونهض من على كرسيه بكل هدوء ،

وأمسك بخرقة ونفض بقية الغبار عن اللوحة ،

ثم ناولها الوالي ، واستلم المبلغ كاملاً ،

وقبل أن ينصرف الوالي قال له الشيخ :

بعتك هذه اللوحة بشرط ..!!

قال الوالي : وما هو الشرط ؟

قال : أن تكتب هذه الحكمة على باب بيتك ،

وإن استطعت أن تكتبها على كل جزء من البيت ، فافعل ،

حتى على أدواتك التي تحتاجها عند الضرورة ..!!!!!

فكر الوالي قليلا ثم قال : موافق !

وذهب الوالي إلى قصره ،

وأمر بكتابة هذه الحكمة

في أماكن كثيرة في القصر ،

حتى على بعض ملابسه وملابس نسائه

وكثير من أداواته !!!

وتوالت الأيام وتبعتها شهور ،

وذات يوم قرر قائد الجند

أن يقتل الوالي لينفرد بالولاية ،

واتفق مع حلاق الوالي الخاص للقيام بهذه المهمة ،

فأغراه بالمال  

حتى وافق أن يقوم بما طلب منه ،

ولما توجه الحلاق إلى قصر الوالي

أدركه الارتباك ،

إذ كيف سيقتل الوالي ،

إنها مهمة صعبة وخطيرة ،

وقد يفشل ويطير رأسه ..!!

ولما وصل إلى باب القصر

رأى مكتوبا على البوابة :

( فكر قبل أن تعمل !! )

وازداد ارتباكاً ، وانتفض جسده ،

ودخله الخوف ، ولكنه جمع نفسه ودخل ،

وفي الممر الطويل ،

رأى العبارة ذاتها تتكرر عدة مرات هنا وهناك :

( فكر قبل أن تعمل ! )

( فكر قبل أن تعمل !! )

       ( فكر قبل أن تعمل !! ) .. !!

وحتى حين قرر أن يجعل نظره إلى الأرض ، 

رأى على البساط نفس العبارة تخرق عينيه ..!!

فزاد اضطرابا وقلقا وخوفا ،

فأسرع يمد خطواته ليدخل إلى الحجرة الكبيرة ،

وهناك رأى نفس العبارة تقابله وجهاً لوجه !!

( فكر قبل أن تعمل !!) !!

فانتفض جسده من جديد ،

وشعر أن العبارة ترن في أذنيه بقوة ولها صدى شديد !

وعندما دخل الوالي هاله أن يرى أن الثوب

الذي يلبسه الوالي مكتوبا عليه :

( فكر قبل أن تعمل !! ) ..

شعر وكأنه هو المقصود بهذه العبارة ،

بل داخله شعور بأن الوالي ربما قد عرف بما تم التخطيط له !!

وحين أتى الخادم بصندوق الحلاقة الخاص بالوالي ،

أفزعه أن يقرأ على الصندوق نفس العبارة :

( فكر قبل أن تعمل ).. !!

واضطربت يده وهو يقوم بفتح الصندوق ،

وأخذ جبينه يتصبب عرقا ،

وبطرف عينه نظر إلى الوالي الجالس

فرآه مبتسما هادئاً ،

مما زاد في اضطرابه وقلقه ..!

فلما هم بوضع رغوة الصابون

لاحظ الوالي ارتعاشة يده ،

فأخذ يراقبه بحذر شديد ، وتوجس ،

وأراد الحلاق أن يتفادى نظرات الوالي إليه ،

فصرف نظره إلى الحائط ،

فرأى اللوحة منتصبة أمامه

( فكر قبل أن تعمل ! ) ..!!

هنا .. سقط الحلاق منهارا بين يدي الوالي

وبدأ بالنحيب والبكاء ،

وشرح للوالي تفاصيل المؤامرة !!

وذكر له أثر هذه الحكمة

التي كان يراها في كل مكان ،

مما جعله يعترف بما كان سيقوم به !!

ونهض الوالي

وأمر بالقبض على قائد الحرس وأعوانه ،

وعفا عن الحلاق ..

وقف الوالي أمام تلك اللوحة

يمسح عنها ما سقط عليها من غبار ،

وينظر إليها بزهو وفرح وانشراح ،

فقرر أن يقوم بمكافأة ذلك العجوز ،

وشراء حكمة أخرى منه !!

لكنه حين ذهب إلى السوق وجد الدكان مغلقاً ،

وأخبره الناس أن العجوز قد مات !!

 

انتهت القصة ..

لكنها في الواقع  لم تنته ..

بل يجب أن تبدأ وبشكل جديد ، وفي صورة أخرى .!

ولنسأل أنفسنا :

لو أن أحدنا كتب هذه العبارة مثلا :

الله شاهدي .. الله ناظري .. الله معي

( الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك.. الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..)

أو بعض الآيات القرآنية ، مثل : 

{ وأتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله }

{ وكفى بالله شهيداً }

{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد }

{ مايلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد }

{ وجاءت كل نفسٍ معها سائقٌ وشهيد }

{ لقد كنتَ في غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد } 

أكتبها وغيرها من الآيات في عدة أماكن من البيت ،

على شاشة جهاز الكمبيوتر ،

على طاولة المكتب ، على الحائط الذي يواجهك

اذا رفعت رأسك من على شاشة الحاسوب ،

فوق التلفاز مباشرة كي تراها وأنت تتابع ما في الشاشة !!

وعلى لوحة صغيرة تعلقها في واجهة سيارتك ،

وفي أماكن متعددة من البيت تتعايش معها وفيها !!

الله شاهدي .. الله ناظري .. الله معي

بل تأكد أن هذه العبارة لكثرة مشاهدتك لها ، وقراءتها المستمرة ..

ستستقر في عقلك الباطن ،

وسترتسم في بؤبؤ عينيك ،

وستأخذ مساحة كبيرة من وعيك ،

وسيترد صداها في عقلك وقلبك ،

وحيثما حملتك قدماك ..

الله شاهدي .. الله ناظري .. الله معي

أحسب أن شيئا مثل هذا لو نجح أحدنا فيه ،

سيجد له اثراً بالغا في حياته ،

واستقام سلوكه ، وانضبطت جوارحه ،

وسيغدو مباركاً حيثما كان ..!!

وها أنا أقدم لكم هذه الحكمة - مجاناً - لا أريد منكم جزاء ولا شكورا ..

اللهم إلا دعوة بظهر الغيب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق