2010/10/14

المعلمون والمعلمات الجدد ... انطلاقة الخبرة أم الخدمة

كتب. عبدالله القرزعيمعلم مبتسم
أذكر أنني في بداية خدمتي التعليمية عينت في مدرسة ابتدائية في حفر الباطن ؛ وبما أن تخصصي "خدمة اجتماعية" كنت قد وجهت للمدرسة كمعلم وليس كمرشد طلابي متخصص ؛ وجهت كمعلم "جوكر" أسد ما تحتاجه المدرسة بغض النظر عن كفاءتي وما أستطيع القيام به .
كنت على استعداد لتدريس أي مادة عدا الرياضيات التي بينها وبيني مواقف سلبية أصلها وغرسها جملة من المعلمين ممن تتلمذت على أيديهم :
· ففي المرحلة الابتدائية كان معلم الرياضيات أقسى معلم ويصل لرتبة "جلاد" من الدرجة الأولى ولو ظهر في عصر "حقوق الإنسان" لحق عليه لقب "مجرم حرب" بلا منازع فقد كان يستخدم كافة أنواع التعذيب تحت مظلة "من لايتألم لايتعلم"؛ لم أتعرض للإيذاء منه كثيرا فقد كنت متوسط المستوى بما يكفل لي صفعه أو صفعتين على الوجه فقط !!! وتلك أقل الخسائر!!
· وفي المتوسطة كان معلم الرياضيات "رجل آلي" لا يعرف الابتسامة ولا يتقن من المهارات الحياتية غير سرد الأرقام "كالآلة الحاسبة".
· وفي الثانوية درسنا من هو ملم بالرياضيات وغير ملم بالتعامل مع المراهقين وحتى أبسط أبجديات التعامل مع الأخرين "أشعث أغبر" وليته أقسم على الله فأبره .
ثم ختمت الرحلة بمعلم حببنا في الرياضيات لكن بعد أن حفرت مخالب رفاقه في مجال التربية جروحاً غائرة تجاه هذه المادة.
في الأسبوع الأول لي في مشواري التعليمي عرض علي تدريس اللغة العربية فوافقت على مضض ؛ ثم غير الجدول وكاد يوكل إلي تدريس التربية الفنية وكانت أمنية لم تستمر طويلاً ؛ وأخيراً استقر المطاف بالمعلم الجوكر "بتدريس العلوم " وكنت سعيداً بها لدرجة الاندماج والانهماك حتى قضيت العام الافتتاحي لي في التعليم وسط متعة واستمتاع بتدريس مادة العلوم.
نقلت لتعليم عنيزة 1415هـ ودرست الصف الأول الابتدائي وحتى الثالث في مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية ولاحقا درست فصول بين الصف الرابع وحتى الثالث متوسط تربية وطنية ... إلى أن انتقلت للإشراف التربوي ومن ثم التدريب التربوي.
أذكر أنني بعد التعيين كنت فخورا بنفسي سعيدا بانضمامي لرسالة التربية والتعليم ؛ وقد اقتنيت حقيبة وملأتها بكل ما يلزمني أثناء عملية التدريس ؛ الغريب في الأمر أنه وجد في المدرسة مجموعة من المعلمين الوطنيين الذين ضحكوا علي مراراً وأنا أحمل الحقيبة حتى قال لي أحدهم " متعب حالك ؛ وفشلتنا " !!
تجاهلتهم بل وطمست ما قيل من قاموس مفاهيم وقيم رغبت في أن انطلق منها وأبدأ من حيث يجب " فليس لي علاقة بإحباطاتهم وتصوراتهم السلبية " فقد تريت على " الأمل والعطاء قبل الأخذ " ..
أذكر قلة من الزملاء المعلمين من كان يمد يد العون ويقدم خبراته ؛ ويبدو لي أن سنواتهم الطويلة كانت عبارة عن "سنوات خدمة" وليست "سنوات خبرة" فكل ما في الأمر تجربة سنة واحدة كررت بإيجابياتها وسلبياتها لسنوات عدة .
بدأت خدمتي في التربية والتعليم وكانت بعضاً من مخالب " التفتيش والتوجيه" تفترس طموح بعض المعلمين الجدد ؛ فقد كان بعض الموجهين التربويين يأمر وينهى ويفرض دون نقاش أو حوار فقط " لا أريك إلا ما أرى" !! وسط تهديد برفع التقارير والحرمان من النقل !!
ولن يلومنا أحد كمعلمين جدد فيما لو كانت انطلاقتنا محملة بالأخطاء والتعثرات والإحباطات بفعل انعكاسات البيئة المحيطة بفكرها البدائي السطحي البسيط والذي لا يمت للتربية والتعليم بأي صلة ؟؟؟
اليوم ونحن في الألفية الجديدة ؛ المعلمين والمعلمات الجدد أمام ....
· المعلومة التي يبحث عنها حد الإنهاك في السابق ؛ باتت اليوم تأتي عبر عدة مصادر بمجرد الحاجة لها .
· الفكر التربوي تطور وأضحت الخبرات تتداول عبر قنوات عدة .
· اللوائح والتنظيمات ؛ الواجبات والحقوق أصبحت في متناول اليد.
· بيئة المدرسة والإشراف التربوي أضحت أكثر إمكانات وانفتاحاً نحو العالم الخارجي ؛ وأفلت كثير من الممارسات التي تفعل في الخفاء.
· المشاريع الجديدة قلصت الفارق بين المعلم القديم والمعلم الجديد ؛ فكلاهما بحاجة للتدريب على كفايات ومهارات جديدة.
· الانفتاح العالمي والتقني أضحى يوفر الإطلاع والتوثق من أي معلومة قد تأتي نتيجة أوهام أو أساطير أو ردود فعل على مواقف فردية.
المعلمون والمعلمات الجدد ... اليوم أمام :
تحديات أكبر ؛ وامكانات أشمل وأفضل ؛ فالمعلومات العلمية -التي هي جوهر الخبرة- التي كانت تبنى عبر سنوات باتت اليوم تتوفر عبر ضغطة زر على الحاسب الألي أو التدريب أو مصادر متعددة .
ما دفعني إلى تسطير تلك الكلمات هو التقائي بمجموعة من المعلمين الجدد خلال عدة برامج تدريبيه هذا العام وكل عام ؛ وقد وجدت منهم كل أمل وتحفز وحماسة للعمل ضمن مجال رسالة التربية والتعليم ...
فقط أقول لهم وغيرهم ؛ وقاكم الله من :
· شياطين الإنس والجن الذين يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم …. فتعوذوا منهم بالله. 
· ووقاكم الله من حبائل الشائعات والأكاذيب وبعض انتقاءات الإعلام من صور سلبية عن الميدان التربوي والتركيز عليها بشكل ممنهج يدر على مجالات الإعلام مزيداً من الربحية في مقابل مزيد من الإثارة ... ولا مانع لديهم إن كان الثمن مصلحة الوطن وسمو التربية فيه . …. فلا تذعنوا لكل  ما ينشر.
· ووقاكم الله من الدخول في معترك بعض الجدالات العقيمة التي يثيرها بعض منسوبي المدارس ما ينتج عنها تشتت تركيزكم وأنتم في بداية الطريق …. فاحذروا وحاذروا  
· ووقاكم الله من شر الخيانة والتخاذل في أداء رسالة التربية والتعليم ؛ وبرأ ذممكم من الكسب الحرام وخيانة الأمانة.
كلي أمل في أن يبحث كل معلم مستجد ومعلمة عبر المسارات العلمية الموثوقة عن كيفية بناء " هويتهم العملية بايجابية" لتحقيق أهدافهم وأهداف أمة ترمق بشغف عطاءاتهم لنشء ينتظر منه الكثير.
كم أتمنى أن يبحثوا عن أسرار "نجاحات الناجحين" ويتجنبوا "اخفاقات الفاشلين" والاطلاع عليها لتجنبها فقط.
اللهم وفقهم لخير القول والعمل وبارك لهم في أبدانهم وعلمهم وأموالهم واستعملهم في الخير لرفعة دينك وحسن عبادتك..
والله الموفق ؛؛؛

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق