د. أيمن أسعد عبده
الذين يعيشون في الماضي فقط :
يتحسرون على زواله، ويتباهون بمفاخره، ويكتوون بنار أوجاعه. هم دائمو التذمر من الواقع، مقدسون للماضي، حذرون من أي تغيير، منكرون لليوم الذي هم فيه.
والذين يعيشون في اليوم فقط :
ماديون بطبعهم، لا يريدون ارتباطا بتاريخ، ولا استلهاما لماض، هم أولاد اللحظة الراهنة وبناتها، هدفهم كيف أستمتع أستفيد من هذه اللحظة التي أنا فيها فقط.
والذين يعيشون في المستقبل فقط :
دائمو القلق على مصيرهم، مدمنو التوجس من المخاطر المتوقعة أمامهم ومكائد الزمان التي تنتظرهم. لا ترتاح أنفسهم في اللحظة التي هم فيها مهما كانت متعتها؛ لأنهم يدركون أنها سرعان ما تزول ويتسلل إليها ما يعكر صفوها.
فأين أنت من هؤلاء، أين ينبغي أن تكون وتعيش؟
إن أسعد الناس وأعقلهم وأكثرهم توازنا هو الذي يعيش في اللحظة الحالية والساعة التي هو فيها، مستفيدا من عبر الماضي مستعدا لتحديات المستقبل –والأمر من قبل ومن بعد لله عز وجل-
ليس لك بد من أن تعيش لحظتك هذه التي أنت فيها الآن ….
تملؤها بما يسعدك
وتشغلها بما يفيدك
وتستمتع بها حتى الثمالة
دون أن تعكر صفوها بذكريات الماضي الأليمة، حسرة على
خير فاتك
أو لذة تسربت من بين أناملك
أو حبيب تركك وودعك
أو مال أفلت من بين يدك
أو جرح غائر من طعنة صديق غادر.
أن تتخفف من كل ذلك :
فتمسحه بالصفح
وأن تداوي كل تلك الجراح ببلسم المغفرة
وأن تسامح كل من ظلمك
وأن تحاول أن تنسى.
هذا شرط السعادة الكبير، الذي يغفل عنه الكثير.
لا تشغل بالك كثيرا بالمستقبل
ولا تتجاوز الحد في التفكير والتخطيط والقلق
فإن الكثير والكثير مما نقلق منه لم ولن يحدث يوما ما، كما قال مارك تواين يوما «ظللت طوال حياتي قلقا من أمور كثيرة لم يحدث أي منها أبدا».
لماذا نؤخر استمتاعنا بالحياة وتقديرنا لما وهبنا الله ونشر الخير في أنحاء أعمارنا وأعمار من حولنا انتظارا لشيء ما سيحدث في المستقبل؟
لماذا نؤجل الحياة لرهان المستقبل أو نحبسها في قفص الماضي؟
هذه اللحظة التي أنت فيها الآن :
تقرأ كلماتي هذه هي كل ما تملك حقا، الماضي ذهب بكل ما فيه، والمستقبل في علم الله، وهذه اللحظة الآن هي كل ما تملك. قالها الحكيم العربي قديما فلخص لك السعادة في بيت واحد:
ما مضى فات والمؤمل غيب ××× ولك الساعة التي أنت فيها
لا تعش في الماضي أكثر من أن :
تستلهم عبرة أو تستفيد درسا أو تتوب عن ذنب أو تذكر ذكرى طيبة أو تترحم على ميت صالح أو تبتسم على موقف ظريف، وكل ذلك تفعله لا لتعيش في الماضي ولكن لتستمتع بالحاضر.
ولا تقلق على المستقبل، أكثر من أن :
تخطط له، وتستعد لتحدياته، وتتسلح له بالمهارات والمعلومات والقدرات، ولا تنس أن تعد له الكثير من الأمل والتفاؤل.
المستقبل عندما تفكر فيه وتستعد له فلا بد أن يكون ذلك :
استعدادا له عندما يصير هو (اليوم)
وليس تأخير لـ (اليوم) إلى الغد
فاليوم لا يمكن تأخير الاستمتاع به والاستفادة منه؛ لأنه إذا راح ذهب من غير رجعة.
ولذلك قال الله تعالى: (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) فهي تنظر ماذا تستطيع أن تقدم اليوم استعدادا لليوم الذي يصبح فيه المستقبل هو اليوم.
هذه الساعات الـ 24 التي بين يديك والتي لا خيار لك في أن تهدر أكثرها نوما وأكلا وشغلا، هي كل رأس مالك، ولا بد أن تكون محط تركيزك وعنايتك.
ففي كل يوم يولد المرء ذو الحجى ××× وفي كل يوم ذو الجهالة يقبر
هي إذن معادلة سهلة :
استفد من الماضي دون ارتهان
واستعد للمستقبل دون قلق
وعش يومك هذا مستفيدا من كل لحظة، مستمتعا بكل ثانية، غارسا الخير في نفسك التي بين جنبيك، ناشرا البر فيمن حواليك، متفائلا بغد جميل، تقطف فيه ثمر بذرك اليوم، وعندها سيكون ذلك المستقبل هو اليوم مرة أخرى وعليك أن تفعل فيه ما فعلته هذا اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق