يهدف العلاج النفسي عموما إلى إحداث تغيير في سلوك الشخص المستهدف بالعلاج بحيث يؤدى هذا التغيير إلى تحسن أداء الفرد سواء في سلوكه الشخصي (مع نفسه) أو في سلوكه الاجتماعي مع الآخرين أو من حيث مدى كفاءته وفاعليته، وعلى مدى ربع قرن كانت هناك محاولات جادة لاستخدام الممارسة الإبداعية في العلاج النفسي تحت إشرافنا وبمعرفتنا أيضا في العيادات النفسية التي أتيح لنا العمل فيها سواء في مستشفيات القوات المسلحة أو في مستشفى الوادي للعلاج النفسي بوادي حوف بحلوان أو في العيادة النفسية بكلية التربية بجامعة الكويت وأخيرا في مركز المعادى النفسي.
والعلاج النفسي عن طريق الإبداع ينبثق من مسلمة بسيطة مؤداها أن خيال الإنسان هو الجزء الفعال في السلوك الإبداعي، وعند تحرير هذا الجانب من قيود الإلف والاعتياد سوف يجد المرء نفسه قادراً على أن يتجاوز الواقع الجامد الذي يحول بينه وبين الانطلاق والانعتاق من العبودية والقهر الذي يرسف في أغلاله، والذي يتحول مع الزمن إلى سجن أو معتقل للذات التي تجد نفسها قعيدة هذا الأسر، والتي تصاب بحالة من التجمد، وهو ما يؤدى عادة إلى الانضغاط في وعاء ضاغط أو ربما في أطر ضاغطة من كل اتجاه، ومع هذه الضغوط تتحقق حالة الانضغاط والذي يؤدى إلى التوتر العميق ثم إلى القلق بمستوياته وأنواعه المختلفة، ومن ثم إلى الاكتئاب خاصة الاكتئاب المعرفي Cognitive Deprestion، والذي هو في حقيقته البوابة الملكية للوقوع فريسة لأمراض نفسية أخرى.
وكما ذكرنا في صدر هذا المقال فإن العلاج بالإبداع يستخدم أسلوب تحرير الخيال، والذي عادة ما يتم في جلسات الاسترخاء، سواء تم الاسترخاء بالشكل الكلاسيكي المعروف باسم التسكين المنظم Systemic Desenstization، أو من خلال التنفس العميق (شهيق انف + زفير فم) بعمق وهدوء لمدة ربع ساعة، أو باستخدام كرسي الاسترخاء المبرمج Programmed Relaxation Chair - وخلال الجزء والنصف الثاني (من جلسة الاسترخاء) يتدخل المعالج في مسار فكر العميل الذي يكون غالبا قد وصل إلى مرحلة من الهدوء والاسترخاء.
إن البداية غالبا ما تكون صعبة، ولكن من خلال خيال القائم بالعلاج وقدرته على ضرب الأمثلة يجد العميل نفسه قادرا على الدخول في عالم الخيال الذي يوحى له به المعالج، خاصة إذا وصل معه إلى تحقيق حالة الوسن Hypnagogic state أو بداية التنويم الإيحائي Hypnosis عندئذ يمارس المعالج مع العميل أسلوب الاستدراج التخيلي للخروج به من واقعة المتأزم ولعبور بداية السجن النفسي الذي حبس فيه نفسه.
والبرنامج العلاجي في مسار العملية العلاجية له مراحل تبدأ كما ذكرنا بالاستدراج الخيالي، وتستغرق هذه المرحلة ما بين 3، 5 جلسات، يعقبها الجزء الثاني والذي يستغرق 5 جلسات، وفيه يتم تدريب العميل على ممارسة التدريبات والتمارين الإبداعية، خاصة ما يتعامل مع المرونة بمختلف أبعادها والطلاقة بمختلف أنواعها، ثم تأتى بعد ذلك المرحلة الثالثة وهى التدريب على ممارسة فعل الإبداع في مجال أو آخر من المجالات، ان الهدف من هذا البرنامج العلاجي ليس فحسب تنمية الإبداع عند العميل ولكن جعله قادرا على حل مشكلاته والتعبير عن ذاته وصراعاته والتخلص منها إراديا وبوعيه كذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق