2010/08/19

د. عبدالرحمن السميط ... إنموذجاً للخير والعمل التطوعي



كتب . عبدالله القرزعي

يستصغر أحياناً الإنسان الخير في نفسه  إذا اطلع على سير عظماء العمل التطوعي والخيري ؛ وكم بذلوا في سبيل الله من جهد ...
وتحدث النفس المطمئنة كل إنسان مسلم بأماني لحق ركب الأخيار منهم والدعاء لهم ؛ أنقل لكم اليوم من موقعه الالكتروني سيرة فضيلة الدكتور عبدالرحمن السميط حفظه الله ورعاه كإنموذجاً يحتذى في الأعمال الخيرية والتطوعية.
هنا فقط .. يمكن لنا أن نكون أمة عظيمة كما كان أسلافنا ...
وهنا فقط ... ممكن أن يكون هناك إسلاماً زاهياً بمسلمين أوفياء لعقيدتهم ...
وهنا  فقط ... نكون خير أمة ؛ متى ما نبذ كل منا "الذاتية المفرطة" وفكر بمن حوله من المسلمين ...
وهنا الرجاء والأمل بأن نستصغر بذلنا ولا نحقره ... فرب درهم سبق ألف دينار !!!
سيرة عطرة أترككم تبحرون بها هائمين ... رزقني الله وإياكم عملاً متقبلاً برحمته ...

د. عبدالرحمن السميط
قبل أن يصبح أحد فرسان العمل الخيري، كان طبيبا متخصصا في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي، لم يكن طبيبا عاديا، بل طبيبا فوق العادة، إذ بعد أن ينتهي من عمله المهني، كان يتفقد أحوال المرضى، في أجنحة مستشفى الصباح (أشهر مستشفيات الكويت)، ويسألهم عن ظروفهم وأحوالهم الأسرية والاجتماعية والاقتصادية، ويسعى في قضاء حوائجهم، ويطمئنهم على حالاتهم الصحية. 
واستمرت معه عادته وحرصه على الوقوف إلى جانب المعوزين وأصحاب الحاجة، حينما شعر صاحبها بخطر المجاعة يهدد المسلمين في أفريقيا، وأدرك خطورة حملات التنصير التي تجتاح صفوف فقرائهم في أدغال القارة السوداء، وعلى إثر ذلك آثر أن يترك عمله الطبي طواعية، ليجسد مشروعا خيريا رائدا في مواجهة غول الفقر وخطر التنصير، واستقطب معه فريقا من المخلصين، الذين انخرطوا في تدشين هذا المشروع الإنساني، الذي تتمثل معالمه في مداواة المرضى، وتضميد جراح المنكوبين، ومواساة الفقراء والمحتاجين، والمسح على رأس اليتيم، وإطعام الجائعين، وإغاثة الملهوفين.

مولده ونشأته
ولد د. عبد الرحمن حمود السميط رئيس مجلس إدارة جمعية العون المباشر (مسلمي أفريقيا سابقا) في الكويت عام 1947م...
 ويحكي المقربون منه أن   د. السميط بدأ العمل الخيري وأعمال البر منذ صغره، ففي المرحلة الثانوية أراد مع بعض أصدقائه أن يقوموا بعمل تطوعي، فقاموا بجمع مبلغ من المال من مصروفهم اليومي واشتروا سيارة، وكان يقوم أحد أفراد المجموعة بعد انتهاء دوامه بنقل العمال البسطاء إلى أماكن عملهم أو إلى بيوتهم دون مقابل.
تخرج في جامعة بغداد بعد أن حصل على بكالوريوس الطب والجراحة، وفي الجامعة كان يخصص الجزء الأكبر من مصروفه لشراء الكتيبات الإسلامية ليقوم بتوزيعها على المساجد، وعندما حصل على منحة دراسية قدرها 42 دينارًا كان لا يأكل إلا وجبة واحدة وكان يستكثر على نفسه أن ينام على سرير رغم أن ثمنه لا يتجاوز دينارين معتبرا ذلك نوعا من الرفاهية.
حصل على دبلوم أمراض مناطق حارة من جامعة ليفربول عام 1974م، واستكمل دراساته العليا في جامعة ماكجل الكندية متخصصًا في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي، وأثناء دراساته العليا في الغرب كان يجمع من كل طالب مسلم دولارًا شهريا ثم يقوم بطباعة الكتيبات ويقوم بتوصيلها إلى جنوب شرق آسيا وأفريقيا وغير ذلك من أعمال البر والتقوى.

حياة حافلة بالإنجازات
عمل إخصائيا في مستشفى الصباح في الفترة من 1980 - 1983م، ونشر العديد من الأبحاث العلمية والطبية في مجال القولون والفحص بالمنظار لأورام السرطان، كما أصدر أربعة كتب هي :
·      لبيك أفريقيا
·      دمعة على أفريقيا
·      رسالة إلى ولدي
·      العرب والمسلمون في مدغشقر
 بالإضافة إلى العديد من البحوث وأوراق العمل ومئات المقالات التي نشرت في صحف متنوعة...
 تولى منصب أمين عام جمعية مسلمي أفريقيا عام 1981م، وما زال على رأس الجمعية بعد أن تغير اسمها إلى جمعية العون المباشر في 1999م.
شارك في تأسيس ورئاسة جمعية الأطباء المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا 1976م.
كما شارك في تأسيس فروع جمعية الطلبة المسلمين في مونتريال 1974- 1976
 ولجنة مسلمي ملاوي في الكويت عام 1980م
 واللجنة الكويتية المشتركة للإغاثة 1987
 وهو عضو مؤسس في الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية،
 وعضو مؤسس في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة،
 وعضو في جمعية النجاة الخيرية الكويتية،
وعضو جمعية الهلال الأحمر الكويتي،
 ورئيس تحرير مجلة الكوثر المتخصصة في الشأن الأفريقي،
 وعضو مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية في السودان،
 وعضو مجلس أمناء جامعة العلوم والتكنولوجيا في اليمن،
 ورئيس مجلس إدارة كلية التربية في زنجبار
 ورئيس مجلس إدارة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في كينيا.

نال السميط عددا من الأوسمة والجوائز والدروع والشهادات التقديرية، مكافأة له على جهوده في الأعمال الخيرية :
ومن أرفع هذه الجوائز جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، والتي تبرع بمكافأتها (750 ألف ريال سعودي) لتكون نواة للوقف التعليمي لأبناء أفريقيا، ومن عائد هذا الوقف تلقت أعداد كبيرة من أبناء أفريقيا تعليمها في الجامعات المختلفة.

الخير في قارة تحتاج إليه
تركز جل نشاط السميط من خلال لجنة مسلمي أفريقيا بعد أن وضعت أجندة خيرية تنطلق في مسارات عدة منها:
من أجل أن تمسح دمعة يتيم مسلم
 من أجل رعاية قرية مسلمة تعليميا أو صحيا أو اجتماعيا
 من أجل حفر أو صيانة بئر مياه للشرب
 من أجل بناء أو صيانة مدرسة
 من أجل رعاية الآلاف من المتشردين
 من أجل مواجهة الخطر التنصيري الزاحف
 من أجل استمرارية العمل الخيري الإسلامي.
 وكان اهتمامه بأفريقيا بعد أن أكدت دراسات ميدانية للجنة أن ملايين المسلمين في القارة السوداء لا يعرفون عن الإسلام إلا خرافات وأساطير لا أساس لها من الصحة، وبالتالي فغالبيتهم -خاصة أطفالهم في المدارس- عرضة لخطر التنصير، وقد نتج عن ذلك أن عشرات الآلاف في تنزانيا وملاوي ومدغشقر وجنوب السودان وكينيا والنيجر وغيرها من الدول الأفريقية صاروا ينتسبون إلى النصرانية، بينما آباؤهم وأمهاتهم من المسلمين.

قصة دخوله أفريقيا
والسميط من المؤمنين بأن الإسلام سبق جميع النظريات والحضارات والمدنيات في العمل التطوعي الاجتماعي والإنساني، وتعود قصة ولعه بالعمل في أفريقيا حين عاد إلى الكويت في أعقاب استكمال دراساته العليا، حيث كان مسكونا بطاقة خيرية هائلة أراد تفجيرها فذهب إلى وزارة الأوقاف وعرض على المسئولين رغبته في التطوع للمشاركة في الأعمال الخيرية، غير أن البيروقراطية الرسمية كادت أن تحبطه وتقتل حماسه، لكن الله شاء له أن يسافر إلى أفريقيا لبناء مسجد لإحدى المحسنات الكويتيات في ملاوي، فيرى ملايين البشر يقتلهم الجوع والفقر والجهل والتخلف والمرض، ويشاهد وقوع المسلمين تحت وطأة المنصرين الذين يقدمون إليهم الفتات والتعليم لأبنائهم في مدارسهم التنصيرية، ومن ثم فقد وقع حب هذه البقعة في قلبه ووجدانه وسيطرت على تفكيره.
وكان أكثر ما يؤثر في السميط إلى حد البكاء حينما يذهب إلى منطقة ويدخل بعض أبنائها في الإسلام ثم يصرخون ويبكون على آبائهم وأمهاتهم الذين ماتوا على غير الإسلام، وهم يسألون:
أين أنتم يا مسلمون؟
ولماذا تأخرتم عنا كل هذه السنين؟
 كانت هذه الكلمات تجعله يبكي بمرارة، ويشعر بجزء من المسئولية تجاه هؤلاء الذين ماتوا على الكفر.

تعرض في أفريقيا للاغتيال مرات عديدة من قبل المليشيات المسلحة بسبب حضوره الطاغي في أوساط الفقراء والمحتاجين، كما حاصرته أفعى الكوبرا في موزمبيق وكينيا وملاوي غير مرة لكن الله نجاه.

التنصير أبرز التحديات
وعن أبرز التحديات التي تواجه المسلمين في أفريقيا يقول الدكتور عبد الرحمن :
" ما زال التنصير هو سيد الموقف، مشيرا إلى ما ذكره د. دافيد بارت خبير الإحصاء في العمل التنصيري بالولايات المتحدة من أن عدد المنصرين العاملين الآن في هيئات ولجان تنصيرية يزيدون على أكثر من 51 مليون منصر.
 ويبلغ عدد الطوائف النصرانية في العالم اليوم 35 ألف طائفة
 ويملك العاملون في هذا المجال 365 ألف جهاز كمبيوتر لمتابعة الأعمال التي تقدمها الهيئات التنصيرية ولجانها العاملة
 ويملكون أسطولا جويا لا يقل عن 360 طائرة تحمل المعونات والمواد التي يوزعونها والكتب التي تطير إلى مختلف أرجاء المعمورة بمعدل طائرة كل أربع دقائق على مدار الساعة،
ويبلغ عدد الإذاعات التي يملكونها وتبث برامجها يوميا أكثر من 4050 إذاعة وتليفزيون
 وأن حجم الأموال التي جمعت العام الماضي لأغراض الكنيسة تزيد على 300 مليار دولار، وحظ أفريقيا من النشاط التنصيري هو الأوفر..."

ومن أمثلة تبرعات غير المسلمين للنشاط التنصيري كما يرصدها د. السميط
 أن تبرعات صاحب شركة مايكروسوفت بلغت في عام واحد تقريبا مليار دولار
 ورجل أعمال هولندي تبرع بمبلغ 114 مليون دولار دفعة واحدة وقيل بأن هذا المبلغ كان كل ما يملكه
 وفي أحد الاحتفالات التي أقامها أحد داعمي العمل التنصيري في نيويورك قرر أن يوزع نسخة من الإنجيل على كل بيت في العالم وكانت تكلفة فكرته 300 مليون دولار حتى ينفذها، ولم تمر ليلة واحدة حتى كان حصيلة ما جمعه أكثر من 41 مليون دولار.

حصيلة مشاريع العون المباشر
وكانت حصيلة المشاريع التي نفذت في أفريقيا -كما يذكر د. السميط- حتى أواخر عام 2002م :
 بناء 1200 مسجد،
دفع رواتب 3288 داعية ومعلما شهريا،
 رعاية 9500 يتيم،
 حفر 2750 بئرا ارتوازية ومئات الآبار السطحية في مناطق الجفاف التي يسكنها المسلمون،
 بناء 124 مستشفى ومستوصفا،
توزيع 160 ألف طن من الأغذية والأدوية والملابس،
 توزيع أكثر من 51 مليون نسخة من المصحف،
 طبع وتوزيع 605 ملايين كتيب إسلامي بلغات أفريقية مختلفة،
 بناء وتشغيل 102 مركز إسلامي متكامل،
 عقد 1450 دورة للمعلمين وأئمة المساجد،
دفع رسوم الدراسة عن 95 ألف طالب مسلم فقير،
 تنفيذ وتسيير عدة مشاريع زراعية على مساحة 10 ملايين متر مربع،
 بناء وتشغيل 200 مركز لتدريب النساء،
تنفيذ عدد من السدود المائية في مناطق الجفاف،
إقامة عدد من المخيمات الطبية ومخيمات العيون للمحتاجين مجانا للتخفيف على الموارد الصحية القليلة في إطار برنامج مكافحة العمى،
 تقديم أكثر من 200 منحة دراسية للدراسات العليا في الدول الغربية (تخصصات طب، هندسة، تكنولوجيا).

وما زالت الطموحات مستمرة
وأشار إلى أن طموحات جمعية العون المباشر في أفريقيا لا تتوقف عند حد معين؛ فالجهود مستمرة لإعداد الدراسات اللازمة لإنشاء كلية لتدريب المعلمين في ملاوي؛ لأن الحاجة هناك ماسة جدا لتخريج معلمين مسلمين، فرغم أن المسلمين يشكلون 50% من عدد السكان فإن عدد المدرسين المسلمين المؤهلين لا يزيد على 40 مدرسا، فضلا عن أن الدولة تفقد سنويا ما بين 12% - 13% من العاملين في التدريس بسبب مرض الإيدز المنتشر، والاستقالات والموت الطبيعي، ويبلغ تعداد المدرسين المفقودين سنويا قرابة تسعة آلاف مدرس من أصل 90 ألفا هم مجموع المدرسين العاملين في ملاوي؛ وهو ما تسبب في خلق فجوة كبيرة وعجز واضح في المدرسين المسلمين، وبالتالي فهذا الظرف فرصة كبيرة في سد هذا الفراغ التربوي بالمعلمين المسلمين، هذا بالإضافة إلى إنشاء محطات إذاعية للقرآن الكريم، بدأت بإنشاء محطة في جمهورية توجو وهناك مائة محطة يجري العمل في مراحل تنفيذها المختلفة بمناطق مختلفة من أفريقيا، وتبلغ تكلفة المحطة الواحدة عشرة آلاف دينار كويتي، تتضمن المعدات اللازمة ومصاريف التشغيل عاما كاملا.
ولم تؤثر حملة ما يسمى الحرب العالمية على الإرهاب -في تقدير د. السميط- على العمل الخيري في أفريقيا مقارنة بالضغوط التي مورست على الهيئات الخيرية العاملة في جنوب شرق آسيا خاصة في أفغانستان وباكستان والجمهوريات الإسلامية المستقلة، يقول: "الضغوط التي تمارس ضد العمل الخيري ومنظماته هي جزء من مخطط كبير ضد الإسلام والمسلمين، ويجب أن نعمل ولا نتأثر بهذه الحملات، المهم أن نعمل عملا مدروسا ومؤسسيا، له كوادره ومتخصصوه، وقد دعوت جامعة الكويت والجامعات الخليجية إلى تدريس مادة إدارة العمل الخيري إلى أبنائنا لسد العجز في الكوادر المتخصصة التي تحتاجها الجمعيات الخيرية، خاصة أنها في حاجة ماسة إلى أفراد مدربين ومعدين إعدادا جيدا، يمكنهم الولوج في العمل الإداري على أسسه العلمية الصحيحة".

زكاة أثرياء المسلمين
ويرى د. السميط أن زكاة أموال أثرياء العرب تكفي لسد حاجة 250 مليون مسلم
 إذ يبلغ حجم الأموال المستثمرة داخل وخارج البلاد العربية 2275 مليار دولار أمريكي
 ولو أخرج هؤلاء الأغنياء الزكاة عن أموالهم لبلغت 56.875 مليار دولار
 ولو افترضنا أن عدد فقراء المسلمين في العالم كله يبلغ 250 مليون فقير لكان نصيب كل فقير منهم 227 دولارا، وهو مبلغ كاف لبدء الفقير في عمل منتج يمكن أن يعيش على دخله.

وبعد أن وضعت الحرب الأنجلو-أمريكية أوزارها ضد العراق قام السميط بمهمة خيرية لإعانة الشعب العراقي، وكانت جمعية العون المباشر قد
خصصت مليوني دولار لدعم الطلاب العراقيين الفقراء وإغاثة الأسر المتعففة، وفي تلك الأثناء تعرض رئيس الجمعية إلى حادث مروري في منطقة الكوت (160 كيلومترًا غرب بغداد) بعد أن اصطدمت السيارة التي كانت تقله ومرافقيه بشاحنة، توقفت فجأة؛ وهو ما أسفر عن إصابته بكسور وجروح متفرقة عولج خلالها في أحد مستشفيات الكوت ثم نقل إلى مستشفى الرازي بالكويت لاستكمال علاجه.

حقاً إنه رجل بأمة فهنيئاً لنا به إنموذجاً يحتذى ...
ما أجمل أن يعيش كل منا وفي كيانه حمل هم الإسلام والمسلمين ليحيا بأمته وتحيا به ....

اللهم وفق الدكتور السميط وارزقه ويسر أمره ؛ واعتق رقبته ووالديه والمسلمين من النار برحمتك يا ارحم الراحمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق