2015/08/11

وكيل المدرسة … رسول سلام وتربية

 

كتب . عبدالله القرزعي 20140831_065615_zps6cea708c

 

تقدم المعلم المتحمس محمد إلى الترشح للقيادة المدرسية وكيلاً لمدير مدرسة بعد أن خدم قرابة العشر سنوات في التدريس …

كان ذلك بمبادرة منه واستجابة لتشجيع من حوله من زملائه …

رشح المعلم محمد للعمل وكيلاً لمدرسة ثانوية ، وكون جزء من خبرته في تدريس المرحلة ارتاح للقرار …

ذهب القائد الجديد ليباشر عمله في المدرسة الثانوية وقابل مدير المدرسة الذي كان مشغولاً وسلم عليه وعرفه بنفسه …

كانت أولى المفاجأت عندما قال له مدير المدرسة : الله يعينك على فلان !!؟؟

وذكر اسم أحد طلاب المدرسة .

كانت لحظات تسليم لمهام عمله ، وبادره  مدير المدرسة في التركيز على أصعب مهمة ستواجهه !!

ألتقى الوكيل الجديد بالمعلمين تباعاً وتكرر التحذير من الطالب نفسه بالرغم من أن العام الدراسي للطلاب لم يبدأ بعد ؟!

يقول : بحق انتابني شيء من التوجس والحذر ، معه لم أرغب بمزيد من التفاصيل ، ولم أسأل عن الطالب وسلوكه .

لاحقاً عرفت بأنه طالب معيد وكثير المخالفات ومكث في المرحلة الثانوية قرابة الخمس سنوات حتى الأن .

وعاهدت نفسي بأن السلطة والأنظمة والتعليمات وحدها ستضبط سلوكه رغماً عنه .

وقد كانت تتملكني صورة الوكيل المتسلط المهيب الذي يخشاه كل طلاب المدرسة –هكذا هو الشائع في ميداننا – !؟

 

بدأ  العام الدراسي وانشغل صاحبنا بمهامه المتعددة في المدرسة .

ربما نسي أو تناسى الشبح الذي حشد زملائه عنه أبشع الصور !!

  انتهى الأسبوع الدراسي الأول بسلام وانجاز كافة المهام اللازمة ..

ما أن انتصف الأسبوع الثاني وفي يوم دراسي جديد ، يدخل للمدرسة طالب متأخر  ساعتين عن الطابور الصباحي وقد حوله المدير إلى الوكيل …

كان الوكيل يتفقد سير اليوم الدراسي في المدرسة  ، حتى لمح أحد الطلاب وقد وقف بقرب مكتبه ينتظره ..

توجه إليه وإذا بالطالب يحمل كتبه ووضع شماغه على كتفه ويبدو عليه الإرهاق !

سلم الوكيل على الطالب  ولم يعلق على ملبسه وكان الحوار الأتي :

الطالب : أنت الوكيل الجديد ؟!

الوكيل : نعم ، تفضل .

الطالب : جيت متأخر وأبدخل الصف .

الوكيل : أبشر ، فقط أوصل تلك الأوراق لمكتب المدير وأعود لك .

الطالب : لاتتأخر !

الوكيل : وأنت لاتقف ، تفضل بالجلوس بمكتبي .

استدعى الوكيل خادم المدرسة وطلب منه أن يحضر الشاي والماء للطالب ويضيفه !!

دهش الطالب من تصرف الوكيل !!

بعد خمس دقائق  عاد الوكيل لمكتبه ووجد الطالب قد جلس ولم يشرب الشاي ولا الماء !

سلم الوكيل عليه وأكد تفضل الشاي والماء ، وإن كنت لم تفطر أحظر لك إفطار …

إلتفت الطالب للوكيل وأرسل إليه نظرة تعجب !

وسأله : أنت ماتعرفني ؟

رد الوكيل : أعرف أنك أحد أبنائنا في المدرسة .

عاد الطالب وسأله : تعرف من أنا ، واسمي ؟

قال : لم أتشرف بعد ويسعدني معرفتك.

قام الطالب ووقف واستأذن الوكيل بغلق باب المكتب … فأذن له دون معرفة السبب.

أغلق الطالب الباب واستند عليه ووقف باكياً وقد غطى وجهه بشماغه.

تفاجأ الوكيل من تصرف الطالب ، وحاول محاورته ولكنه استمر في البكاء !!

طلب الوكيل منه الجلوس والاستراحة وشرب الماء وذكر الله ، واستأذنه بالخروج من المكتب والعودة له بعد خمس دقائق …

ثم فاجأ الطالب الوكيل مرة أخرى وطلب أن يقفل عليه المكتب !! لئلا يراه أحد وهو في هذا الموقف .

يقول الوكيل تأثرت ببكاء شاب على مشارف الرجولة بهذه الصورة دون أسباب ملحوظة في الموقف ، وأخذت أفكر بالطالب وردة فعله الغريبة ..

 

عاد الوكيل إلى مكتبه ، وشاهد منظر غير الذي تركه ، الطالب لبس شماغه وعدل جلسته منتظراً …

وقبل أن يبادر الوكيل بالحديث معه ، طلب منه الطالب مرة ثالثة أغلاق باب المكتب .

بادره الوكيل بالسؤال عن صحته وهل يعاني من مشكله أو لديه ظرف ما ، ووعده بالسرية ومساعدته ما أمكن .

أراد الطالب أن يتحدث فارتعشت يداه وتساقطت دموعه … وقال : أنا فلان إن كنت سمعت عني .

أنا لي خمس سنوات بالمدرسة الثانوية وقبلها بالمتوسطة والابتدائية  لم أشعر في يوم بأن أحد سألني عن ظروفي وقدرها أو استضافني واحترمني كما فعلت أنت …

دائماً العقاب بأنواعه واللوم هو السباق والمستمر ..

واستطرد الطالب وذكر لوكيل المدرسة أنه أكبر أخوته وأخواته الست ، وتوفي عنهم والدهم وهو في الصف الثالث متوسط وتعاني الأسرة من الفقر والحاجة والأم من مرض عضال ، وعليه مسؤولية رعاية الأسرة بكافة متطلباتها !!

حتى أنه يستخدم سيارة والده القديمة كثيرة الحاجة للصيانة والأعطال …

وفي كل موقف أواجه العقوبات ظناً أنني مستهتر وغير مبالي وثبت عند الجميع تقصيري وكثرة مخالفاتي وصورتي السلبية ، مادعاني إلى التبلد فعلاً  وفعل ما يلفت انتباه الطلاب وعدم الإكتراث بما سأواجه من عقوبات ..

استمر الطالب بالبكاء وهو يتحدث ..

يقول الوكيل :

بنفس اللحظة تحول جذرياً توجهي من بناء صورة الوكيل المتسلط  المهيب إلى الوكيل المربي الإنسان .

وإعادة ترتيب كل شؤوني وأولوياتي في ممارسة مهنة التربية والتعليم .

وقعت كلماته علي كدرس تربوي مهم ، بتوفيق الله وبلا تخطيط مني ، وبلا أي جهد يذكر  كشف الطالب لي عن ظروفه وحاجته … وبت أحمل هماً أكبر مما سبق مساعدته وتغيير الصورة السلبية التي ترسخت عنه وتلك لاتوجبه فقط الأنظمة والتعليمات بل واجبي كمسلم .. 

وحتى تاريخ رواية تلك القصة …

سرد الوكيل الذي أصبح مديراً بعد ثلاث سنوات أن الطالب تجاوز المرحلة الثانوية وسجله في الكلية التقنية قسم الميكانيكا وأوجد له فرصة عمل في إحدى الورش وساعد الأسرة في تسجيلها في الجمعية الخيرية …

 

لكم أحبتي … أترك استنتاج بقية قيم القصة …

دمتم في رعاية الله وحفظه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق