2011/07/01

أثر فعالية المعلم على تحصيل الطلبة

موقع المكتب العربي لدول مجلس التعاون

كتبه: باميلا توكر وجيمس سترونغقيادة

ترجمه: عمر خليفة

هذه هي قيمة المعلم، الذي ينظر إلى وجه تلميذه ويقول إنني أرى وراءه شخصاً ما ، وإنني أريد أن أصل إلى ذلك الشخص.. أريد أن أؤثر فيه .. أن أشجعه وأثريه .. أريد أن أخرج ذلك الشخص الذي يقبع وراء ذلك الوجه.. وراء ذلك اللون .. وراء تلك اللغة .. وراء ذلك التقليد .. وراء تلك الثقافة .. إنني على ثقة بأنني أستطيع فعل ذلك ..

مايا أنجيلو

إن مقدرة المعلم الفاعل في التغيير شيء خبرناه وفهمنا جميعاً على المستوى الشخصي، وربما كنا محظوظين بشكل خاص إذ كان لدينا العديد من المعلمين الاستثنائيين الذين جعلوا من المدرسة مكاناً ممتعاً ومثيراً للاهتمام. لقد كان لهؤلاء المعلمين شغف بالمواد التي يدرسونها ، وكانوا يبدون رعاية حقيقية للطلاب الذين عملوا معهم. كانوا مصدر إلهام لنا لنعمل ونلعب ونفكر بعمق فيما كنا نقوم به وأن نواجه المزيد من تحديات العمل.

إننا ندرك بالحدس أن للمعلمين الفاعلين تأثيراً على الحياة اليومية للأطفال بل وعلى امتداد حياتهم المستقبلية وتطلعاتهم التعليمية، كما ندرك الآن بالتجربة أن لهؤلاء المعلمين الفاعلين تأثيراً مباشراً في تعزيز تعلم الطلاب. إن سنوات من البحث حول جودة المعلم تدعم الحقيقة القائلة بأن المعلمين الفاعلين لا يجعلون الطلاب يشعرون بالرضا عن المدرسة والتعلم فحسب، بل أن أداءهم الجيد ينتج عنه زيادة في تحصيل الطلاب. كذلك أثبتت الدراسات أن مجموعة من الصفات الشخصية والمهنية لدى المعلم الفاعل ترتبط جميعها مع أعلى مستويات تحصيل الطلاب.. نحن ندرك سبيل المثال أن القدرة الخطابية وإتقان المحتوى والمعارف التربوية إضافة إلى الدرجة العلمية والقدرة على استخدام مجموعة كبيرة ومتنوعة من استراتيجيات التدريس بمهارة ينتج عنه أكثر من معلمين ناجحين.

وفيما يلي بعض المزايا الأساسية التي يجب توفرها في كل معلم فاعل:

� تلقى التدريب الرسمي لإعداد المعلمين.

� يحمل شهادة معتمدة في مجال تخصصه.

� لديه خبرة في التدريس قدرها ثلاث سنوات على الأقل.

� مهتماً ونزيهاً ومحترماً.

� يحمل توقعات عالية لنفسه ولطلابه.

� يكرس وقتاً إضافياً لإعداد وتحضير دروسه.

� يحقق أقصى فائدة ممكنة من الوقت من خلال الإدارة والتنظيم الفاعل لحجرة الدرس.

� يعمل على تعزيز التعلم من خلال تنويع الاستراتيجيات والأنشطة والواجبات.

� يقدم المحتوى للطلاب بطريقة تعزز فهمهم واستيعابهم له.

� يرصد تعلم الطلاب وتقدمهم باستخدام التقييمات القبلية والبعدية ويزودهم بالملاحظات اللازمة في الوقت المناسب ويقوم بإعادة تدريس الطلاب الذين لم يصلوا إلى إتقان الدرس.

� يظهر فعالية كاملة مع قدرات الطلاب في حجرة الدرس بغض النظر عن التفاوت الأكاديمي للطلاب.

ولا يقتصر الأمر على وجود توافق في الآراء حول ما يفعله المعلم لتعزيز تعلم الطلاب فحسب، بل أن بعض التحليلات التي قام بها بعض الباحثين مثل مارزانو وبيكرينغ وبوللوك قد حددت متوسط آثار للاستراتيجيات التعليمية المحددة، التي عندما يتم تطبيقها على الوجه الصحيح - مثل تحديد أوجه التشابه والاختلاف والتلخيص وأخذ الملاحظات وتعزيز الجهود والثناء على التحصيل - يمكن أن ينتج عنها زيادة بين 29 على 45% في تحصيل الطلاب. إن هذه الزيادة تعني إن إحراز طالب ما لنسبة تحصيل قدرها 50% يمكن أن يرتفع إلى 79% أو حتى 95% مع الاستخدام الفاعل للاستراتيجيات التربوية المختارة. وبينما لا يمكننا إنكار أن التدريس عبارة عن فن إلا أنه علم أيضاً ينبغي علينا تطبيقه. وقد كتب مايك شموخر مؤلف كتاب: "الطريق نحو التحسن المستمر للمدرسة" قائلاً: عندما نبدأ في ردم الفجوة بين ما نعرفه وما نعمل به بطريقة أكثر تنظيماً فإننا سنكون على أعتاب واحدة من أكثر الحقب إثارة في تاريخ التعليم.

إن العمل الذي قام به الباحث بيل ساندرز من جامعة تينيسي كان محورياً في إعادة تأكيد أهمية المعلم الفاعل في تعلم الطالب. وفي أحد جوانب هذا البحث ركز ساندرز على ما حدث لطلاب كان معلموهم ينتجون تحصيلاً عالياً مقابل أولئك الذين ينتجون تحصيلاً منخفضاً. واكتشف أنه عندما يكون التلاميذ الصغار - بداية من المستوى الثالث – مع معلم ذي أداء عالٍ فإنهم يحرزون في نهاية المستوى الخامس في المتوسط 96% على مستوى الولاية في اختبار الرياضيات. أما عندما نضع تلاميذ مع معلم ذي تحصيل منخفض فإن متوسط أدائهم في نفس الاختبار ينخفض إلى 44% ، مما يعني فرقاً قدره 52% بالنسبة لتلاميذ لديهم نفس المقدرات والمهارات. وقد كتب ساندرز ما يلي:

تدل نتائج هذه الدراسة بوضوح على أن العنصر الأكثر أهمية في التأثير على تعلم الطلاب هو المعلم. بالإضافة إلى ذلك فإن النتائج تظهر تفاوتاً واسعاً في الفعالية بين المعلمين. إن الناتج الضمني الفوري لهذه الدراسة هو أن تحسين التعليم يتطلب تحسين فعالية المعلمين أكثر من أي عنصر آخر. كما يدل على أن المعلم الفاعل يكون فاعلاً مع الطلاب في كل مستويات التحصيل بغض النظر عن مستوى عدم التجانس في غرفة الصف.

وفي دراسة مماثلة أجراها باحثون من تكساس وجدت نتائج مشابهة في الرياضيات والقراءة في المستويات الأولى، حيث كان تلاميذ المستوى الأول محظوظين إذ كان لديهم معلمون ذوو أداء عال فكان متوسط تحصيلهم في المهارات الأساسية بمادة الرياضيات في اختبار الولاية قد ارتفع من 63% إلى 87% على النقيض من أقرانهم الذين انخفض تحصيلهم من 58% إلى 40%بفارق قدره 42%. وتحليل مماثل في القراءة وجد فارقاً قدره 44% . وبهذا تكون الدراسات والبحوث التي أجريت في جامعة تنيسي وتكساس قد توصلتا إلى نتائج مماثلة ولافتة للنظر مفادها: أن المعلمين الفاعلين للغاية قادرون على تحقيق إنجازات أكبر في تحصيل الطلبة مقارنة مع نظرائهم الأقل فاعلية.

كيف يمكننا دعم رعاية المعلمين الفاعلين لجميع أطفالنا؟ في اعتقادنا أن المعلمين في حاجة إلى الملاحظات ، ليس فقط حول التدريس بل أيضاً حول نتائج التدريس في الوقت المناسب لأن الملاحظات القيمة أمر حيوي لأي جهود تحسينية . دعونا ننظر على سبيل المثال إلى الدور الذي يقوم به مدرب رياضة الجري أو مدرب اللياقة البدنية أو تخفيف الوزن. فهؤلاء الأفراد يقدمون التوجيه حول كيفية الأداء الأفضل، ولكن الدليل على فعاليتهم كمحترفين يظهر في النتائج الملموسة: أي في الجري لمسافات أطول أو في رفع أثقال أكبر أو في نقصان الوزن. من الواضح أن الذين يعملون على نحو أكثر فعالية وكفاءة وإصرار، تقاس جهودهم بأثرها لدى الغير.

اعتمد تقييم المعلمين على عملية التدريس وعلى وجه الحصر تقريباً من خلال استخدام الملاحظات في حجرة الصف. وفي دراسة أجريت بواسطة دائرة البحوث التربوية ووجد ان99.8% من مديري المدارس العامة في الولايات المتحدة الأمريكية قد استخدموا الملاحظات الصفية المباشرة كأسلوب لجمع البيانات الأولية. ومع ذلك فان الاعتماد الأساسي على الملاحظات الرسمية في التقييم يطرح مشاكل كبيرة في تقييم المعلمين، فعندما يقوم المدير بزيارة غرفة الصف ثلاث أو أربع مرات مثلاً في العام فان الملاحظات يمكن أن تكون مصطنعة ولا تعطي نتيجة حقيقية أو قد تتضمن مثالاً صغيراً جداً من الأداء الفعلي للمعلم مع طلابه (على سبيل المثال أربع ساعات من المراقبة تعادل نصف بالمائة من الوقت الكلي لتدريس المعلم خلال العام).

يتفق معظم التربويين على أنهم مسئولون عن تعلم الطلاب، ولكن المهنة بشكل عام تتجنب التقييمات المبنية على مقاييس تعلم الطلاب، أحياناً لأسباب وجيهة باعتبار الوسائل غير العادلة التي تنتهجها. والحل مع ذلك لا يكون في الاستمرار في هذه الاستراتيجيات التقليدية لمجرد أنها مريحة وإنما في تطوير وسائل عادلة ومعقولة لتقييم نجاح المعلم مع طلابه. وهناك العديد من الأنظمة  المدرسية والبرامج التربوية التي استكشفت طرقاً مبتكرة لاستقاء بيانات موثوقة عن تعلم الطلاب ومن الممكن أن تتم عبرها عملية تقييم المعلم. إن العوامل التي تؤثر في تعلم الطلبة متعددة الأوجه بل هي معقدة للغاية ، ومن الصعب التوصل إلى توافق في الآراء بشأن أفضل طريقة لقياس تعلم الطلاب . ونظراً لهذه التعقيدات فإن العديد من التربويين يتجنبون أن يكونوا صريحين بشأن تعقب تعلم الطلاب بغرض تحسين تدريسهم أو تقييم أدائهم.

إن استخدام البيانات الخاصة بتعلم الطلاب في عملية تقييم المعلم يقدم أداة ممكنة لكلا من عمليتي التحسين ولتركيز تقييم المعلم على الانجازات التي يتم تحقيقها. وإن الملاحظات الموضوعية المقدمة في شكل بيانات تقييم تقدم أداة لا تقدر بثمن للمراقبة. وكما تقول الباحثة باربارا هوارد: إن التقييم الذي يقود إلى التطور المهني يتطلب من المعلمين أن ينظروا بصدق ونزاهة إلى نقاط القوة والضعف لديهم. وإن التقييم الذاتي يمكن أن يكون محدود الأثر بسبب افتقاره إلى الموضوعية ، وكذلك الملاحظات التي يقدمها الزملاء والمشرفين والتي تعتمد على بضع زيارات لحجرات الدرس أيضاً محدودة الأثر بسبب قلة الأمثلة التي تقدمها كما ذكرنا آنفاً. إن بيانات التقييم لتعلم الطلاب خلال فترة زمنية محددة حتى وإن تجاوزت نصف العام الدراسي لا يمكن أن تقدم ملاحظات موضوعية إلى حد ما .

وأخيراً يمكننا القول أن التعلم عبارة عن ظاهرة تحدث نتيجة للتفاعلات بين المعلم والطالب. والمعلمون لا يمكنهم بطبيعة الحال أن يكونوا مسئولين وحدهم عن تعلم الطلاب لأن التعلم نشاط تتم السيطرة عليه داخلياً. ومع ذلك يتوقع من المعلمين أن يقوموا بتوفير الظروف الملائمة للتعلم وهذا هو ما تم تعيينهم من أجله وهو التزامهم المهني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق