2011/02/20

القيم الشخصية .. تكوينها وتنميتها لدى الطلاب

المقدم .عوض بن سعيد العمري - كلية الملك خالد العسكريةYou painted over me!

تُعد القيم الشخصية من العناصر الأساسية لثقافة المنظمات، أو ما يطلق عليها الثقافة التنظيمية، فهي تُؤثّر تأثيراً كبيراً في حياة الأفراد الخاصة والعملية، بوصفها أحد المكونات الأساسية للشخصية، ويشمل تأثيرها سلوك الأفراد، واتجاهاتهم، وعلاقاتهم.

وهي بذلك تُوفِّر إطاراً مهماَّ لتوجيه سلوك الأفراد والجماعات وتنظيمه داخل المنظمات وخارجها، إذ تقوم بدور المراقب الداخلي الذي يُراقب أفعال الفرد وتصرفاته.

فالقيمة هي ما يعتبره الفرد مهماً، وذا قيمة في حياته، ويسعى دائماً إلى أن يكون سلوكه متسقاً، ومتوافقاً مع ما يؤمن به من قيم، ولذلك لا يمكن إغفال دراسة القيم الشخصية عند تحليل السلوك الإنساني، وفهم السلوك التنظيمي لدى جميع المنظمات، وبخاصة المنظمات التعليمية .

إذ تقوم هذه المنظمات بتزويد طلابها بالمعارف، والمعلومات المختلفة، وتكسبهم المهارات القيادية، والسلوكية، والمهنية التي تُلائم مستقبلهم القيادي، وتمكنهم من إنجاز أعمالهم بأعلى قدر ممكن من الكفاءة، والفعالية.

ويُعد تشكيل القيم الشخصية وتنميتها - وبخاصة قيم العمل ، ومنها :

(الانضباط والمواظبة، والأمانة، والعدل، والإنجاز، والعمل الجماعي ... إلخ) - هي الشق الآخر المكمل لشخصية القائد الناجح. وسنتناول في هذه المقالة مفهوم القيم الشخصية، وأنواعها، وكيفية تكوينها…

 

أولاً: مفهوم القيم الشخصية وكيفية اكتسابها


المعنى اللغوي:
تشتق كلمة القيمة في اللغة العربية من القيام، وهو نقيض الجلوس، والقيام بمعنى آخر هو العزم

ومنه قوله تعالى: (وَأنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ). "الجن،19" أي لمّا عزم.

كما جاء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح، ومنه قوله تعالى: (الرِِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ). "النساء، 34"

وأما القوام فهو العدل، وحُسن الطول، وحُسن الاستقامة "العوا، 1987م، 215-216".(1).

كما تدل كلمة القيمة على الثمن الذي يقاوم المتاع، أي يقوم مقامه، وجمعها قيمُ، ويقال ما له قيمة إذا لم يدم على شيء (البستاني، د.ت،764)(2).

 

المعنى الاصطلاحي


ومع مرور الأيام شاع استعمال كلمة القيمة، فأصبحت تدل على معانٍ أخرى متعددة

  • فيرى علماء اللغة مثلاً أنّ للكلمات قيمة نحوية تحدد معناها ودورها في الجملة، وأنّ قيمة الألفاظ تكمن في الاستعمال الصحيح لها
  • كما يستعمل علماء الرياضيات كلمة القيمة للدلالة على العدد الذي يقيس كمية معينة
  • ويستخدمها أهل الفن كونها تجمع بين الكم والكيف، وهي بهذا تعبّر عن كيفية الألوان، والأصوات، والأشكال والعلاقة الكمية القائمة بينهما
  • كما يستخدمها علماء الاقتصاد للدلالة على الصفة التي تجعل شيئاً ممكن الاستبدال بشيء آخر، أي قيمة المبادلة (رسلان، 1990،8-10)(3).

يتضح مما سبق أن مفهوم القيمة (Value) من المفاهيم التي يشوبها نوع من الغموض والخلط في استخدامها، وهذا نتيجة لأنها حظيت باهتمام كثير من الباحثين في تخصصات مختلفة، ولهذا اختلف الباحثون في وضع تعريف محدد لها، ومرد ذلك الاختلاف يعزى إلى المنطلقات النظرية التخصصية لهم، فمنهم: علماء الدين، وعلماء النفس، وعلماء الاجتماع، وعلماء الاقتصاد، وعلماء الرياضيات، وعلماء اللغة .. إلخ. فلكل منهم مفهومه الخاص الذي يتفق مع تخصصه.

ومن هؤلاء العلماء :

  • ( بريParry) الذي يعرّف القيم بأنها الاهتمامات، أي إذا كان أي شيء موضع اهتمام فإنه حتماً يكتسب قيمة
  • ومنهم من يعرفها بالتفضيلات مثل (ثورندايك Thorndike)
  • وهناك من يعرّف القيم بأنها مرادفة للاتجاهات مثل (بوجاردس Bogardies).
  • وكثير من علماء النفس يرون أن القيمة والاتجاه وجهان لعملة واحدة.
  • أما (كلايدكلاهون Clydekluckhoon)، فيعرّف القيم بأنها أفكار حول ما هو مرغوب فيه أو غير مرغوب فيه (مرعي وبلقيس، 1984م، 216-217)(4).

واستناداً إلى ما سبق من تعريفات يمكن تعريف القيم بأنها عبارة عن :

المعتقدات التي يحملها الفرد نحو الأشياء والمعاني وأوجه النشاط المختلفة، والتي تعمل على توجيه رغباته واتجاهاته نحوها، وتحدد له السلوك المقبول والمرفوض والصواب والخطأ، وتتصف بالثبات النسبي.

 

ثانياً: كيفية تكوين القيم


يتم اكتساب القيم الشخصية عن طريق التنشئة الاجتماعية، إذ يشترك عدد من العوامل الرئيسة في تكوينها مثل :

  • الدين
  • الأسرة
  • الثقافة
  • التعليم
  • البيئة
  • الجماعات المختلفة التي ينتمي لها الفرد في حياته.

أي أن القيم الشخصية للأفراد تؤثر وتتأثر بثقافة المنظمات التي يعملون بها، كما أن ثقافة هذه المنظمات تستمد من ثقافة المجتمع الذي تعمل فيه وقيمه وعاداته، إذ يتشرب الفرد القيم والمعايير الاجتماعية من الأشخاص المهمين في حياته، مثل :

الوالدين، والمعلمين، والقادة في العمل، والمقرّبين من الزملاء، والأقران، ويتم ذلك في إطار ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه (وحيد، 2001م،68)(5).

وتُعدّ الأسرة هي المصدر الأول في تكوين قيم الفرد واتجاهاته، وعاداته الاجتماعية، فهي التي تمده بالرصيد الأول من القيم والعادات الاجتماعية، وهي بذلك تمده بالضوء الذي يرشده في سلوكه وتصرفاته، ففي الأسرة يتلقى الطفل أول درس عن الحق والواجب، والسلوكيات الصائبة والخاطئة، والحسنة والقبيحة، وما يجوز عمله وما لا يجوز، والمرغوب فيه وغير المرغوب فيه، وماذا يجب عمله، وماذا يجب تجنبه، ولماذا، وكيف يكسب رضا الجماعة، وكيف يتجنب سخطها؟

فالأسرة هي التي تمنح الطفل أوضاعه الاجتماعية، وتحدد له منذ البداية اتجاهات سلوكه وخياراته، فهي تحدد له نوع الطعام الذي يأكله، وكيف ومتى يأكله، والملبس الذي يلبسه في كل مناسبة، وتحدد له الميول السياسية التي يتبعها، بل وتحدد له الدين الذي يعتنقه، كما قال الرسول الكريم : (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه أو يمجّسانه).(صحيح مسلم، ج4 ص 2047، حيث رقم 2658).

ويشترك عدد من الجماعات الأخرى مع الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية، مثل :

  • المدرسة
  • ثلة الأقران والأصدقاء
  • الأندية الرياضية
  • الهيئات الدينية
  • الجماعات المهنية
  • الهيئات السياسية ... إلخ.

وبالرغم من أهمية دور هذه الجماعات في التنشئة الاجتماعية، إلا أن وظيفتها تُعدّ امتداداً لوظيفة الأسرة، وليست بديلة عنها (دياب، 1966م، 344-345)(6).

 

ثالثاً : أنواع القيم الشخصية


لايوجد تصنيف موحّد يعتمد عليه في تحديد أنواع القيم، فهناك عديد من التصنيفات التي وضعها الباحثون في هذا المجال بناء على معايير مختلفة؛ ويذكر (المعايطة) الأسس التي اعتُمد عليها في تصنيف القيم على النحو التالي:


1- تصنيف القيم حسب المحتوى:

إذ تنقسم القيم، حسب هذا الأساس، إلى: قيم نظرية، وقيم اقتصادية، وقيم جمالية، وقيم اجتماعية، وقيم سياسية، وقيم دينية.


2- تصنيف القيم حسب مقصدها:

إذ تنقسم القيم، حسب هذا الأساس، إلى قيم وسائلية، أي تعتبر وسائل لغايات أبعد، وقيم غائبة أو نهائية.


3- تصنيفها حسب شدتها:

إذ تصنف القيم، حسب هذا الأساس، إلى قيم ملزمة، أي ما ينبغي أن يكون، وقيم تفضيلية، أي يشجع المجتمع أفراده على التمسك بها، ولكن لا يلزمهم بها إلزاماً.


4- تصنيفها حسب العمومية:

إذ تنقسم القيم، حسب هذا الأساس، إلى قيم عامة يعم انتشارها في المجتمع كله، وقيم خاصة تتعلق بمناسبات أو مواقف اجتماعية معينة.


5- تصنيفها حسب وضوحها:

إذ تنقسم القيم، حسب هذا الأساس، إلى قسمين: قيم ظاهرة أو صريحة، وهي القيم التي يصرح بها ويعبر عنها بالسلوك أو بالكلام، وقيم ضمنية، وهي التي يستدل على وجودها من خلال ملاحظة الاختيارات والاتجاهات التي تتكرر في سلوك الأفراد.


6- القيم حسب ديمومتها:

إذ تصنف القيم، حسب هذا الأساس، إلى صنفين، هما: القيم الدائمة، وهي التي تدوم زمناً طويلاً، وقيم عابرة، وهي التي تزول بسرعة (المعايطة، 2000م، 187)(7).

ويُعد التصنيف الذي أورده عالم الاجتماع الآلماني (سبرانجر) في كتابة: "أنماط الناس" من أكثر التصنيفات استخداماً في دراسة القيم، حيث قسّم القيم إلى ست مجموعات، هي :

القيم الدينية، والقيم السياسية، والقيم الاجتماعية، والقيم النظرية، والقيم الاقتصادية، والقيم الجمالية

وسنوضح فيما يلي ما تعنيه هذه القيم:


1- القيم الدينية:

هي مجموعة القيم التي تميز الفرد بإدراكه للكون، ويعبر عنها اهتمام الفرد وميله إلى معرفة ما وراء الطبيعة، فهو يرغب في معرفة أصل الإنسان ومصيره، ويؤمن بأن هناك قوة تسيطر على العالم الذي يعيش فيه، ويحاول أن يربط نفسه بهذه القوة، ويتميز معظم من تسود لديه هذه القيم بالتمسك بالتعاليم الدينية.


2- القيم السياسية:

هي مجموعة القيم التي تُميز الفرد باهتماماته بالبحث عن الشهرة والنفوذ في مجالات الحياة المختلفة، وليس بالضرورة في مجال السياسة، ويتميز الفرد الذي تسود لدية هذه القيم بدوافع القوة والمنافسة والقدرة على توجيه الآخرين والتحكم في مستقبلهم.


3- القيم النظرية:

هي مجموعة القيم التي يعبر عنها اهتمام الفرد بالعلم والمعرفة والسعي وراء القوانين التي تحكم الأشياء بقصد معرفتها، ومن الأفراد الذين تبرز عندهم هذه القيم: الفلاسفة، والعلماء، والمفكرين.


4- القيم الاجتماعية:

هي مجموعة القيم التي تميز الفرد باهتماماته الاجتماعية، وبقدرته على عمل علاقات اجتماعية، والتطوع لخدمة الآخرين، ويتميز الفرد بقدرته على العطاء من وقته وجهده وماله لخدمة المجتمع، ويغلب على سلوكه الود والشفقة والإيثار.


5- القيم الاقتصادية:

هي مجموعة القيم التي تُميز الفرد بالاهتمامات العملية، وتجعله يعطي الأولوية لتحقيق المنافع المادية، ويسعى للحصول على الثروة بكل الوسائل، وتبرز هذه القيم لدى رجال المال والأعمال، وأصحاب المتاجر والمصانع.


6- القيم الجمالية:

هي مجموعة القيم التي تميز الفرد بالاهتمامات الفنية والجمالية وبالبحث عن الجوانب الفنية في الحياة، وتجعل الفرد يحب التشكيل والتنسق، وتسود هذه القيم عادة لدى أصحاب الإبداع الفني وتذوق الجمال.

وتعد القيم الست المشار إليها أعلاه، قيم أساسية (مركزية) ينبثق منها العديد من القيم الشخصية

فمثلاً

يتفرع من القيم الدينية بعض القيم الفرعية، مثل: قيمة الصدق، وقيمة الأمانة، وقيمة الإخلاص، وقيمة الرحمة ... إلخ، ويتفرع من القيم النظرية قيم عديدة منها: قيمة التحصيل الأكاديمي، وقيمة الإنجاز، وقيمة الانضباط الذاتي ... إلخ.
ولا يعني هذا التقسيم أن الإنسان ينتمي بصورة خالصة إلى واحدة أو أكثر هذه القيم، فجميع القيم توجد لدى كل فرد، لكنها تختلف في ترتيب أهميتها من شخص لآخر، ومن جماعة إلى أخرى.

 

رابعاً: خصائص القيم الشخصية ووظائفها :


أ- خصائص القيم :
يُعد مفهوم القيم من المفاهيم المتشعبة، التي تدخل ضمن العديد من التخصصات المختلفة - كما أسلفنا - ولذلك فقد وضع الباحثون عدداً من الصفات والسمات المشتركة التي تسهم في توضيح هذا المفهوم. وقد ذكر الهاشمي عدداً من هذه السمات كما يلي:
1- القيم أساسية في حياة كل إنسان سوى، فهي بمثابة مرشد وموجه لكثير من النشاط الحر الإرادي للإنسان.
2- القيم تصطبغ بالصبغة الاجتماعية؛ أي أنها تنطلق من إطار اجتماعي.
3- القيم مكتسبة، إذ يتعلمها الفرد عن طريق التربية الاجتماعية والتنشئة في نطاق الجماعة.
4- تٌعد القيم ذاتية اجتماعية، ولها أثر بارز في السلوك العام والخاص للفرد والجماعة، وفي تحديد كثير من العلاقات مع بعض أفراد الجماعات الأخرى.
5- القيم ذات ثبات واستقرار نفسي واجتماعي نسبي، لكن هذا الثبات يسمح بالتغيير والتبديل إراد الفرد ذلك بعزيمة صادقة.
6- يتميز بعض الأفراد بقيم فردية خاصة هيمنت على جل وقتهم ونشاطاتهم، ودوافعهم وسلوكهم، وقد كان من هؤلاء الأفراد نوابغ العلماء، والمفكرون والمخترعون، والفنانون، والقادة العسكريون، الذين استفادت منهم المجتمعات الإنسانية في شتى المجالات (الهاشمي، 1984م، 142-143)(8).

وقد وافق المعايطة الهاشمي في بعض هذه السمات، وأضاف بدوره سمات أخرى، حيث اتفق معه في كون القيم ذات طبيعة ذاتية اجتماعية، كما وافقه في كون القيم تتصف بالنسبية، من حيث الزمان والمكان، فما يناسب زماناً ومكاناً معينين قد لا يناسب زماناً ومكاناً آخرين

 

وأضاف المعايطة السمات التالية:
1- تتصف القيم بالهرمية، أي أن قيم كل فرد تكون مرتبة تنازلياً طبقاً لأهميتها له من الأهم فالمهم، حيث تسود لدى كل فرد القيم الأكثر أهمية بالنسبة له.
2- تتصف القيم بالعمومية، فهي تشكل طابعاً قومياً عاماً مشتركاً بين جميع طبقات المجتمع الواحد.
3- تتضمن القيم نوعاً من الرأي والحكم على شخص معين أو شيء أو معنى معين (المعايطة، 2000،188-189)(9).


وقد ذكر (وحيد) بعض هذه السمات، وأضاف سمات أخرى، فقد أكد على ما أشار إليه (الهاشمي) في الفقرة رقم (2) من أن القيم تتكون من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، أي أنها لا تنتقل للفرد بالوراثة، وإنما هي مكتسبة. كما يؤكِّد ما ذهب إليه (المعايطة) من أن القيم تُعد معايير للحكم على الأشياء والمعاني والأشخاص ويضيف (وحيد) السمات التالية :

1- تُعد القيم أكثر ثباتاً من الميول والاتجاهات، وتقاوم التغيير.
2- تكون القيم إما صريحة تتضح من خلال التلفظ بها، أو ضمنية تتضح من خلال سلوك الفرد وأنشطته المختلفة (وحيد. 2001م، 60)(10).

 

ب- وظائف القيم الشخصية:
تُعد القيم من أهم مكونات الشخصية، لذلك فهي تعمل على تشكيل الكيان النفسي للفرد، من خلال قيامها بخمس وظائف أساسية ذكرها (عيسى) كما يلي:
1- أن القيم تزود الفرد بالإحساس بالغرض مما يقوم به وتوجهه نحو تحقيقه.
2- تهيِّئ الأساس للعمل الفردي والعمل الجماعي الموحد.
3- تتخذ كأساس للحكم على سلوك الآخرين.
4- تمكّن الفرد من معرفة ما يتوقعه من الآخرين وماهية ردود الفعل.
5- توجد لديه إحساس بالصواب والخطأ (عيسى، 1984م، 111)(11).

أما نوري فقد قام بتلخيص وظائف القيم فيما يتعلق بالأفراد والمجتمعات، في النقاط التالية:
1- أنها توفِّر الوسائل المطلوبة لتحديد جدارة الأفراد والجماعات، فهي تساعد الفرد على معرفة موقعة في المجتمع على أساس تقويم الناس له.
2- تساعد القيم الناس على تركيز اهتمامهم على العناصر المادية المرغوبة والضرورية، فقيمة الأشياء ليست في ذاتها فحسب، بل هي نتيجة لما يضفيه المجتمع عليها من اهتمام وتثمين.
3- أن جميع الأساليب المثالية للسلوك والتفكير في المجتمع تتجسد في القيم، وعلى هذ الأساس تصبح القيم أشبه بالخطط الهندسية للسلوك المقبول اجتماعياً، بحيث يصبح الأفراد قادرين على إدراك أفضل الطرق للعمل والتفكير.
4- تسهم القيم في توجيه الناس في اختيار الأدوار الاجتماعية والنهوض بها، كما تشجعهم على القيام بالأعباء المسندة إليهم بشكل ينسجم وتوقعات المجتمع.
5- للقيم دور كبير في تحقيق الضبط الاجتماعي، فهي تؤثر في الناس لكي يجعلوا سلوكهم مطابقاً للقواعد الأخلاقية، كما تعمل القيم على كبح جماح العواطف السلبية التي قد تدفع إلى الانحراف والتمرد على نظم المجتمع الأخلاقية وتولد الشعور بالذنب والخجل في نفوس الناس عند تجاوزهم المعايير.
6- للقيم تأثير واضح كأداة للتضامن الاجتماعي، فوحدة الجماعات تستند إلى وجود القيم المشتركة، مما يجعل الناس ينجذبون لبعضهم عندما يشعرون بتماثل الأخلاق والعقائد التي يعتنقونها (النوري، 1981م، 69-70)(12).

 

دور المؤسسات التربوية والتعليمية في تكوين القيم الشخصية لطلابها


يتم غرس تلك القيم وتكوينها وتنميتها لدى الطلاب ، من خلال التنفيذ الفعال للمنهاج العام، بما يشتمل عليه من: مقررات دراسية، وبرامج تدريبية، وتمارين، وزيارات ميدانية ... إلخ.

ويقوم أعضاء هيئة التدريس، والأقسام المساندة الأخرى، بتكوين تلك القيم أثناء ممارستهم لواجباتهم الرئيسة المتمثلة في تزويد الطالب بالمفاهيم، والمعارف، والمهارات القيادية والمهنية ، حيث يذكر كثير من الباحثين في مجال تعليم القيم أنه من المستحيل أن يتجنب المعلم تدريس القيم حتى ولو حاول ذلك، لأن كل ما يقوله ويفعله يعكس ما يقوِّمه ويراه مهماً، أو غير مهم وغير مرغوب فيه (الشعوان، 1999م، 168)(13).


ولذلك يجب أن يمثل عضو هيئة التدريس القدوة الحسنة لطلابه فيما يقوله، ويفعله، ويؤكد هذا المعنى (ميشل) (
Michaelis) إذ يركز على أهمية فكرتين أساسيتين يجب أخذهما بعين الاعتبار قبل مناقشة طرق تدريس القيم، هما:
1- أن الاتجاهات والقيم عبارة عن مخرجات أساسية يتعذر إغفالها كنتيجة للتدريس.
2- أن المخرجات الإيجابية يتوقع أن تحدث في الصف الذي يسوده جَوٌّ من الاحترام، وتتوفر فيه أنشطة مشوقة تثير استجابات عاطفية، لأن القيم ذات جذور انفعالية.

وسنوضح فيما يلي الطريقة التي يتم بموجبها تكوين القيم الشخصية وتنميتها لدى الطلاب ، إذ تتم على مرحلتين كما يلي :


أولاً : مرحلة تكوين (غرس القيم) :

يتم في هذه المرحلة غرس، أو تكوين العديد من القيم الشخصية المرغوبة، التي تُلائم المستقبل بالأساليب التالية:
1- يتم الحديث عن أهمية هذه القيم لفظاً، وإعادة التأكيد عليها بشكل متكرر ضمن الدروس المنهجية في كثير من المقررات الدراسية.


2- يمكن غرس هذه القيم بطرق غير مباشرة، مثل القدوة، بمعنى أن يمثل المعلم أو المدرب القدوة الحسنة لطلابه في تجسيد هذه القيم على ذاته، فلا يأمرهم بشيء ما ويتصرف هو بخلاف ذلك، كما قال الشاعر العربي في هذا المعنى:
لا تنه عن خُلقٍ وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيمُ

3- يمكن تكوين القيم الشخصية المرغوبة من خلال صنع النماذج كأمثلة يحتذى بها، فيذكر أمثلة من التاريخ اتصفت بهذه القيم وكانت سبباً في نجاحها، كأمثال القادة العظام في التاريخ الإسلامي، وأفضلهم على الإطلاق الرسول الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، فهو القدوة الحسنة في القيم النبيلة كالصدق، والأمانة، والرحمة، والعدل، الشجاعة، ... إلخ.

ثم الخلفاء الراشدون، والقادة الناجحون،فذكر هذه النماذج باستمرار، وبإلقاء ممتع ومشوق، يجعل الطالب يتشوق لسماع سيرتهم وأفكارهم، ومن ثم التأسي بهم في قيمهم وأخلاقهم، فتتشكل عنده قيم شخصية وتنمو على نمط القيم التي اتصفت بها تلك النماذج.


ثانياً: مرحلة التعزيز:

في هذه المرحلة يتم تعزيز هذه القيم، سواء كان ذلك بصيغة سلبية أو إيجابية، وقد تكون بصورة لفظية أو غير لفظية. فمثلاً عند غرس قيمة الانضباط يتم تعزيزها سلباً من خلال توقيع العقوبات على من يخل بالانضباط من الطلاب، وتعزيزها إيجاباً عن طريق بعض الحوافز المعنوية لمن يتحلى بهذه القيم.

ويمكن أن يكون التعزيز بصورة غير لفظية، ففي حالة التعزيز السلبي يظهر المعلم أو المدرب امتعاضه وعدم رضاه عند مخالفة أي من مقتضيات الانضباط، وفي حالة التعزيز الإيجابي يبدي ابتسامته ورضاه.

لقد تبين لك أخي القارئ الكريم، مما تم عرضة في هذه المقالة، أهمية القيم في حياة الأفراد والجماعات، كما اتضحت لك الكيفية التي يتم بها اكتساب القيم، من خلال الجماعات المختلفة التي ينتمي إليها الفرد في حياته، ابتداءً من الأسرة، مروراً بالمؤسسات المختلفة التي ينتمي لها الفرد في حياته، كالتعليم، وبيئة العمل ... إلخ.


كما تبين لك عظم المسؤولية المنوطة بالمؤسسات التربوية والتعليمية بوصفها من أهم المحطات التي تكوّن القيم الشخصية لطلابها وتنميها، إذ تتمثل مهمتها الرئيسة في تزويد الطالب بالصفات الضرورية التي تمكنه من العمل والانتاج، والقيم الشخصية التي تُلبي احتياجات الطالب من أهم تلك الصفات …

أهم المراجع

1- العوا، عادل (1987م)، كتاب الفكر العربي الإسلامي، الأصول والمبادئ، تونس: المنظمة العربية للثقافة والإعلام - إدارة البحوث التربوية.
3- البستاني، المعلم بطرس (1977م)، محيط المحيط، قاموس مطول للغة العربية، بيروت مكتبة لبنان.
4- مرعي، توفيق وبلقيس، أحمد (1984م)، الميسر في علم النفس الاجتماعي، ط2، عمان: دار الفرقان للنشر والتوزيع.
5- وحيد، أحمد عبداللطيف (2001م)، علم النفس الاجتماعي، عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع.
6- ذياب، فوزية (1966م)، القيم والعادات الاجتماعية، القاهرة: دار الكتاب العربي.
7- المعايطة، خليل عبدالرحمن (2000م)، علم النفس الاجتماعي، عمان: دار الفكر للطباعة والنشر.
8- الهاشمي، عبدالحميد محمد (1984م)، المرشد في علم النفس الاجتماعي، جدة: دار الشرق.
9- وحيد، أحمد عبداللطيف (2001م)، علم النفس الاجتماعي، عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع.
10- عيسى، محمد رفيق (1984م)، توضيح القيم أم تصحيح القيم، الكويت: ندوة علم النفس التربوي - مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
11- النوري، قيس (1981م)، الحضارة والشخصية، الجمهورية العراقية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
12- الشعوان، عبدالرحمن محمد (1997م)، القيم وطرق تدريسها في الدراسات الاجتماعية، مجلة جامعة الملك سعود، م6، العلوم التربوية والدراسات الإسلامية.

 

ملحوظة :

تم تحوير المقالة والتصرف فيها بما يناسب كافة المؤسسات التربوية والتعليمية ، بعد أن خصصها سعادة المقدم عوض -وفقه الله- لطلاب الكليات العسكرية.

هناك تعليق واحد: