2010/09/02

صدق شكسبير ... "لا يعمم إلا الأغبياء"


كتب . عبدالله القرزعي    


التعميم آفة تجتاح أفهام البعض ؛ فنجد أنه من موقف أو عدة مواقف يعمم "حكماً" على فئة من الناس أو الأماكن ....!!! يتمسك بتصوره ولا يكاد ينفك منه !!   
وهذه معضلة تواجه من يرغب في " الحوار" الواعي مع الأخرين ؛ حيث يتحول الحوار إلى "جدل" عقيم ؛ لا يخرج منه عادة إلا بمزيد من التعنت والتعصب للرأي .

المعممون ... هم أكثر الناس تمسكاً بأرائهم ؛ إذ لا نسب ولا تناسب لديهم ؛ وبتعميماتهم يسلكون طريقاً واحداً ؛ وحلاً واحداً ؛ وصورة واحدة ...!! لا يقبلون تغييرها أو تحييدها أو حتى الاستماع لغيرها ...؟؟
وبهذا يكونوا قد أنهوا الحوار بعد قلبه لجدل كما يريدون ويرغبون ... ويقبلون أن يكون في ظلالهم القديم ... وينعتون من يحاورهم بالجهل !!
والتعميم ... علمياً يقبل بشرط وجود ظاهرة تثبت بالدراسة والتحليل ؛ واقترانه بزمن وظروف محيطة فقط ؛ وهو بالتأكيد غير قابل للأخذ به في كل الأحوال والأزمان ... كما يعتقد البعض ...
من هنا نجد أن من يعمم أحكامه ورؤاه وتصوراته عن شيء معين تتملكه الفكرة التي تسيطر على سلوكه ؛ ويعارض التغيير ولا يقبل به بل ويقاومه لئلا يزعزع تعميماته التي جزم بأنها صالحة لكل زمان ومكان ...


يحز في نفسي كثيراً ...
 ما تجده لدى البعض من "صور سلبية" جراء التعميم الظالم والجائر ... والأكثر مرارة هو استمرار انغلاقهم على أفكارهم التي رغم تقادمها إلا أنهم يعيشون في كنفها .. وتأسرهم وتكبل تواصلهم الإيجابي ... ناهيك عن نقل القيل والقال بلا تثبت !!
و يمارس التعميم من قبل كثير من الناس في مختلف أطيافهم وأماكنهم ومكانتهم وأجناسهم ....

ومن المعلوم أنه من العبارات الشائعة في المجال العلمي عبارة :
 " هذا شاذ لا يقاس عليه " بمعنى لا يمكن تعميم حكم الشاذ ، لأن الشاذ هو النادر والمنفرد عن الجماعة والمخالف للقياس ، والخارج عن الأصول .
والشذاذ من الناس :  الذين يكونون في قوم وليسوا منهم .
والشذوذ : صفة تطلق على كل طارئ وغريب على حالات طبيعية.
قال تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء : 94]
وقال جل شأنه :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات : 6]


أما في أهمية التثبت قبل تعميم الأحكام ونقلها :
قال النووي رحمه الله :  في باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه .
قـال الله تعــالى ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )
وقــال تعالى ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " رواه مسلم .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح كتــاب ( رياض الصالحين )
باب التثبت فيـما يقول وما يتكلم به
 لمــا ذكر رحمه الله تحريم الكذب - والكذب أن يخبر الإنسان بمـا لــم يكن على وجهه الصحيح أعقبه بهذا الباب، أن الإنسان يتثبت فيمـا ينقـل ويتكلم بـــه ، لاسيما في زمــن الأهواء وكثــرة القيل والقال والتحدث بما كان أو لم يكن.
وقـد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" مــن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت "
والحاصل أنه يجب على الإنسان أن يتثبت فيـما يقول ويتثبت فيمن ينقل إليه الخبر، هل هو ثقة أو غير ثقة.

وفي التعميم ورد عن الأديب ويليام شكسبير  قوله : " لا يعمم إلا الأغبياء"

وفي أهمية التثبت مما ينقل قبل اطلاق الحكم ما اشتهر به سقراط من حكمة بالغة
وهو فيلسوف عاش في اليونان القديمة (399-469 ق.م)

في أحد الأيام صادف الفيلسوف العظيم أحد معارفه الذي جرى له وقال له بتلهف: "سقراط،أتعلم ما سمعت عن أحد طلابك؟ "
" انتظر لحظة" رد عليه سقراط"قبل أن تخبرني أود منك أن تجتاز امتحان صغير يدعى امتحان الفلتر الثلاثي "
" الفلتر الثلاثي؟ "
" هذا صحيح" تابع سقراط:"قبل أن تخبرني عن طالبي لنأخذ لحظة لنفلتر ما كنت ستقوله.
 الفلتر الأول : هو الصدق،هل أنت متأكد أن ما ستخبرني به صحيح؟ "
رد الرجل : لا "في الواقع لقد سمعت الخبر و ..."
قال سقراط: حسناً "إذا أنت لست أكيد أن ما ستخبرني صحيح أو خطأ.
 لنجرب الفلتر الثاني، فلتر الطيبة.هل ما ستخبرني به عن طالبي شيء طيب؟ "
فرد الرجل : " لا،على العكس ..."
قال سقراط : "إذا ستخبرني شيء سيء عن طالبي على الرغم من أنك غير متأكد من أنه صحيح؟ "
هنا ... بدأ الرجل بالشعور بالإحراج.
تابع سقراط:"ما زال بإمكانك أن تنجح بالإمتحان،فهناك :
فلتر ثالث - فلتر الفائدة. هل ما ستخبرني به عن طالبي سيفيدني؟ "
رد الرجل : " في الواقع لا ."
" إذا" تابع سقراط" إذا كنت ستخبرني بشيء ليس بصحيح ولا بطيب ولا ذي فائدة أو قيمة، لماذا تخبرني به من الأصل؟ "
هنا .... هزم هذا الرجل

وسيهزم حتماً كل من على شاكلته من ناقلي الأخبار غير الموثوقة ...
أو التعميمات الخاصة التي يعتقد البعض أنها "كبد الحقيقة وصنوها" !!!

هناك تعليق واحد: