2009/06/15

التقويم المستمر ذلك المتهم البريء


استكمالا لطرح الأستاذ / العويد

أعجبني ذلك الطرح الجميل من قبل التربوي الجاد الأستاذ.يوسف بن صالح العويد عبر نافذة جريدتنا الغراء الجزيرة وصفحتها الرائعة (الرأي) في العدد (13002) بتاريخ 28/4/1428هـ وكانت فحوى مقالته عن التقويم المستمر ومخرجاته وقد وجه نداء لمعالي وزير التربية بأن يزور طلاب الصف الثالث الابتدائي للوقوف على مستوى قراءة الطلاب مذيلا مقالته بجملة من الاقتراحات التي يرى بأنها تساعد في تطبيق التقويم المستمر وتحسين نواتجه.
في مقالتي تلك لن أكون مفندًا لما ذكره الأستاذ.يوسف بقدر تقديم رؤية تشخيصية لما يتم في الميدان حول تقويم التحصيل الدراسي، وأحد أهم أنواع التقويم البديل ألا وهو (التقويم المستمر أو تقويم الأداء) وعليه أسرد جملة من النقاط لتحديد الفكرة ووضوحها وعدم إجهاد القارئ الكريم :


1.إتباع الوزارة لنظام التقويم المستمر ماهو إلا خيار استراتيجي يجتاح العالم بأسره ، وهو نتيجة طبيعية لتقدم علم النفس المعرفي والقياس والتقويم النفسي والتربوي ، والذي يأتي استجابة لمتغيرات العصر والتقدم العلمي ومتطلبات سوق العمل ، وما يستطيع الطالب فعله وأداؤه من مهارات لا ما يعرفه فقط، ولذلك توارى مصطلح (تقويم التعلم) في مقابل (التقويم للتعلم) ويقصد فيه غرس تعلماً حقيقياً لدى الطالب ليكون تعلمه مستمراً مدى الحياة.
2. بدأت وزارة التربية دراساتها لتصحيح مسار تقويم التحصيل الدراسي منذ عام 1407هـ وأقرت لائحة تقويم الطالب في عام 1420هـ بعد التجريب العلمي على عينة من الميدان ، ثم أقر على تعليم البنات في عام 1422هـ ، ثم التوسع فيه ليشمل باقي صفوف المرحلة الابتدائية من عام 1427هـ ، وقد أصدرت لائحة قل أن نجد مثيل لها في معظم الدول من حيث دقة الصياغة وجودة التنظيم والتجاوب مع الاتجاهات الحديثة للتقويم التربوي.
3. كانت انطلاقة التقويم المستمر في عام 1420هـ من دون تدريب ميداني قابله تطبيقات خاطئة في كثير من المدارس وهذه نقطة سلبية تحسب على وزارة التربية ، بيد أنها تنبهت لذلك عند التوسع في التقويم المستمر ليشمل المرحلة الابتدائية ودربت فرق مركزية في عام 1426هـ على مبادئ وأساسيات التقويم المستمر وإلى الآن أؤكد عدم كفاية الجهود المبذولة كماً وكيفاً من قبل الوزارة والإدارات التعليمية والمدارس لإحداث التغيير وتصحيح المفاهيم الخاطئة في تطبيق التقويم المستمر وفق أسس علمية.
4.كانت ومازالت نصوص التنظيم في اللائحة رائعة وكان التدريب على تطبيقه أقل بكثير مما يجب ، ولذلك ظهرت تطبيقات خاطئة تنم عن جهل واضح في أسس التقويم المستمر وتنظيمات اللائحة بشكل خاص -وهنا أحمل الوزارة مسؤوليتها في ذلك-، وفي حالات يظهر التجاهل لا الجهل وهنا أؤكد على أن ( لائحة تقويم الطالب لم تضمن حماية من الأخطاء المتعمدة أكثر مما ضمنته اللوائح السابقة ) ، ومعلوم أن الخطأ المتعمد لن يوقفه أي نظام رقابي أو إشرافي أو تنظيمي في العالم عدا يقظة الضمير وتحمل الأمانة، وهنا أؤكد أن من يطلق حكما خاطئاً عمداً لينقل طالب إلى صف آخر دون إتقانه للمهارات سيفعل ذلك في ظل نظام الاختبارات أيضاً ( فالخيانة ) ليس لها ضابط سوى مراقبة الله عز وجل في السر والعلن وتحت أي تنظيم وظرف –وهنا لا دخل للوزارة في ذلك – مهما طورت أساليبها الرقابية والإشرافية ، ولأن من ينتسب للتربية والتعليم أو غيرها من المجالات يفترض أن يتحلى بخلق الإنسان المسلم الذي يتقن عمله ويتحرى فيه فيجزيه الله بركة المال والولد والبدن والرزق.
5. قرار انتقال الطالب من عدمه ليس قرارا مطلقاً بيد المعلم فقط كما أورده الأستاذ. يوسف، لأن اللائحة نصت صراحة على أدوار ومهام محددة للجنة التوجيه والارشاد برئاسة مدير المدرسة ونيابة الوكيل وعضوية ثلاثة معلمين متميزين والمرشد أو القائم بأعمال الإرشاد مقررا وألحقت ذلك بجملة من التعاميم المنظمة وفق التساؤلات الميدانية التي تردها ، ليكون قرار انتقال الطالب جماعياً وسط مشاركة رئيسة من قبل اللجنة وصلاحية رئيسها مع المعلم ، واللجنة تتحمل مسؤوليتها في اعتماد نتائج الطلاب سواء المنتقلين أو اللذين بقوا في صفوفهم ، وقرارها يجب أن يعتمد على متابعة لسير تقويم المعلم لطلابه ومدى دقته منذ بداية العام ولها أن تتحقق من ذلك على مدى عام كامل ، ولا يجوز إعادة تقويم أي طالب في نهاية العام عن طريق إجراء الاختبارات-وهنا لا تتحمل الوزارة قصور وتقصير لجنة التوجيه والارشاد في المدرسة وقد حدد التنظيم مهامها وأدوارها بدقة وشدد على صلاحياتها واجتماعاتها الدورية لمناقشة كل معلم في دقة تقويمه لطلابه وزيارة الصف أثناء العام الدراسي للتحقق من دقة التقويم- ومنح الثقة من يستحق من المعلمين ومحاسبة المقصر ومساءلته نظاماً وللمدير (رئيس اللجنة) إعادة النظر في دقة تقويم المعلم وإشراك من يراه من أعضاء اللجنة في تقويم طلاب المعلم أثناء العام الدراسي وليس في نهايته بإعادة اختبار الطالب كما هو سائد لدى بعض المدارس مع الأسف.
6. المتأمل لتنظيمات لائحة تقويم الطالب سيجد فيها الكثير والكثير من الضوابط المنظمة المطابقة لمبادئ الشريعة الإسلامية السمحة ومقاصدها ، ومنها تقدير الفروق الفردية وأن التعلم يحدث لدى الطالب وفق إمكاناته وقدراته وسط تنافس ذاتي ، ولا اعتبار لسرعة الإتقان أو أسلوبه المهم أن يتقن الطالب في نهاية العام مهارات المادة وفق تدرج يناسب فروقه الفردية نفسية كانت أم اجتماعية أو عقلية أو نفسية .....، بالإضافة إلى إتاحتها لمبدأ المحاولة والتكرار حتى الوصول للإتقان وهذا ما لا توفره الاختبارات المعيارية ، والأهم من ذلك أن هدف الأهداف بالنسبة للتقويم المستمر هو تشخيص الصعوبات والمعوقات التي تواجه الطالب منذ بداية العام والعمل على علاجها من قبل كافة من لهم علاقة بالطالب خلال عام دراسي وهنا محو تدريجي لما غرسته ممارسات الاختبارات المعيارية من فهم خاطئ للتقويم وهو المقارنة بين درجات الطلاب وترتيبهم طبقاً لها دون تقويم لمستوى الطالب.
7. ختاماً .... أسرد جملة من غايات التقويم المستمر ولماذا أتى وفق ما نصت عليه تجارب الدول التي نجحت في تطبيقه علها تضيف للقارئ الكريم بعداً ورؤية واضحة للتقدم الذي يحدث في القياس والتقويم وحركات التربويون الإصلاحية لواحد من أهم بل هو أهم مكون من مكوناتها ألا وهو (تقويم التحصيل الدراسي) – دون النظر لما يطبق فعلياً – لأن ما يطبق فعلياً يحتاج لقائد –مدير تعليم ، مشرف تربوي ، مدير مدرسة ، معلم ...- يملك كفاية تقويم التحصيل الدراسي وفلسفة تطوره عالمياً ليقود ويحدث التغيير وفق أسس علمية :
لماذا أتى التقويم الوصفي المستمر
- ليدمج بين عمليتي التعلم والتقويم ، ويقيس ما يستطيع الطالب أداءه لا ما يعرفه فقط.
- ليجعل عملية تقويم الطالب في المرحلة الابتدائية تلقائياً بالنسبة له ويزيل رهبة الاختبارات.
- ليثبت أن عملية التعلم مستمرة وحدوثها لدى الطالب يتعلق بجوانب عدة أهمها الفروق الفردية بين الطلاب وجودة استراتيجيات التدريس وملائمة محتوى المادة الدراسية.
- ليتيح الوقت اللازم لحدوث التعلم حسب فردية الطالب وحالته وظروفه وإمكاناته.
- مؤصلاً للتنافس مع الذات لأهميته في بناء ثقة الطالب بنفسه واستمرار دافعيته للتعلم مدى الحياة ، في مقابل إضعاف التنافس والمقارنة مع زملائه والذي ثبت علمياً تأثيره السلبي على حالة الطالب متدني التحصيل وإحباط محاولاته للتعلم إذا ما نظر للفرق بينه وبين زملائه المتقنيين.
- ليلغي تقويم تحصيل الطالب بانتقاء عينة من سلوكه (اختبارات معيارية) ، بل يجب أن يكون أداء المهارات بجزئياتها محكاً يخضع فيه كل دارس للتدريس والتقويم حتى يتقن.
- ليجعل متدني التحصيل من الطلاب ومن حوله تحدياً حقيقياً أمام قدرات المعلم والمدرسة وعلمية ممارساتهم ونص على وجوب متابعة من لم يتقن تدريساً وتقويماً حتى يصل للإتقان.
- ليفرض نمطاً جديداً حول واحد من أهم مجالات التربية والتعليم ألا وهو (تقويم التحصيل الدراسي) وفيه ينشد المشرع تهيئة كافة الظروف المناسبة للطالب لتحقيق التعلم.
- أتى التقويم المستمر بجملة من أدوات القياس والتقويم ( اختبارات محكية المرجع تحريرية وشفهية وعملية،الملاحظة المقصودة،الواجبات،المشاريع،التقارير،المشاركة والتدريبات) ليتيح للمعلم فرصة أكبر في تنويع استراتيجيات التدريس وجمع المعلومات لتقويم الطالب وإحداث التعلم.
- ليحول المدرسة الابتدائية إلى سلسلة من استراتيجيات التدريس والتقويم والاجتماعات والمشاغل التربوية المتلاحقة والمستمرة والتي تهدف بدرجة أولى إلى (تشخيص وعلاج تدني أداء الطلاب للمهارات المقررة ورفع الناتج التعليمي).
- ليحدد مشكلة الطالب والمعوقات التي تواجه تعلمه منذ بداية العام الدراسي والعمل على علاج المشكلة وتذليل الصعوبات والمعوقات وإشراك كل من لهم علاقة بتحصيل الطالب ومستقبله العلمي والعملي.
- ليؤصل الممارسات العلمية في عملية تقويم التحصيل الدراسي ، وإن شعر بعض المعلمين بالجهد في هذا الأسلوب من التقويم فمرجع ذلك لحداثة الأسلوب ، وضعف الخلفية لدى البعض عن تطور علم القياس والتقويم ، هذا بالإضافة إلى ضعف تسارع الخدمات المبذولة من قبل الوزارة والإدارات التعليمية لخدمة مجال التقويم، وبإذنه تعالى مع مرور الوقت وزيادة الجهد من قبل جميع الجهات المعنية سيأخذ التقويم طريقة لممارسات علمية عالية الجودة.
- ليجعل علاج مشكلات التعلم تشاركياً من قبل المعلم ولجنة التوجيه والارشاد والأسرة والجهات المعنية كالوحدة الصحية والمعاهد المختصة ... لأن تدني التحصيل الدراسي يجب أن يكون قضية ملحة يعمل الكل على تداركها وعلاجها ، هذا بالإضافة لجعل قرار انتقال أو بقاء الطالب قرارا جماعيا نتاج مشاورات علمية بين المعلم ولجنة التوجيه والارشاد.
- أتى التقويم المستمر لا كما يعتقد البعض من محدودي العلمية والرؤية وهو الاعتقاد بأنه ينقل الطالب من صف لصف دون النظر لمستوى تحصيله الدراسي ، وإن حدث ذلك مع البعض فالخلل موجود في ممارساتهم لا في التنظيم نفسه.
- ليحدد الرؤية الاستراتيجية للمعلم (المحصلة النهائية) فبدلاً من التشتت بين قائمة طويلة من أهداف موضوعات المقرر أجملها في مهارات محددة لزيادة تركيز المعلم فيما هو مطلوب فعلاً والنواتج المتوقعة في نهاية العام.
- ليؤكد على أهمية تشخيص تدني التحصيل قبل العمل على الإجراءات العلاجية ، لأن كل علاج ناجح يسبقه تشخيص علمي دقيق.
- ليحول نظرتنا لمتدني التحصيل من جاني يجب الاشمئزاز منه والغضب ومعاقبته .... إلى مجني عليه بسبب ظروف خارجة عن إرادته ، وبذلك نقدم له المساعدة في حل مشكلاته.
- ليدربنا على مهارة حياتية هامة وهي مواجهة المشكلات واستعمال نعمة العقل وعلمية الممارسات للتغلب عليها ، والعيش بسلام.
أخواني وأخواتي .... دعونا نختلف لنأتلف وإن لم نتفق فلنتعايش ونتحاور بعلمية حول التقويم المستمر ليصبح تقويم التحصيل الدراسي قضية تربوية واجتماعية واقتصادية ..... فتلك ظاهرة صحية تحدث في الدول المتقدمة ، بيد أننا يجب أن ننبذ توجهاتنا الشخصية ونبرز الموضوعية ونحتكم إلى المنهجية العلمية التي حتماً وبإذنه تعالى ستثري الفكر التربوي لدينا لنجني والأجيال من بعدنا نتاج الحوار الفكري العلمي المستمر.
وفق الله الجميع لخير القول والعمل وما فيه خير وصلاح الدين ولهذا الوطن المعطاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق